تنطبق أوصاف الحرب الباردة على علاقات الأردن الرسمي بـ"إسرائيل"، فوجود سفارات لا يعني علاقات طبيعية فتلك كانت موجودة بين الاتحاد السوفياتي وأميركا. في الوقت الذي كان العالم يخشى اندلاع مواجهة نووية بينهما. بعد عقد ونصف من توقيع المعاهدة لا يزال الإسرائيليون يحتفظون بترسانة نووية، ونوايا سيئة.
لم يكن ثمة أوهام على مستوى شعبي عند توقيع المعاهدة، الأوهام كانت في رأس رابين الذي اخترقته رصاصات متطرف صهيوني. من يومها غاب الشريك الإسرائيلي بمنطق أصحاب التسوية. من قبل ومن بعد كان الشريك العربي حاضرا، وتجلى ذلك في مؤتمر مدريد الذي جسد اعتراف العرب بالهزيمة العسكرية وقبولهم بحل على أساس التفاوض.
لم يكن لدى الإسرائيليين مشكلة مع الأردن ولا مع سورية تماما كما لم يكن لهم مشكلة مع مصر من قبل. المشكلة هي مع الفلسطينيين، فمنذ كامب ديفيد لا تتخلى إسرائيل عن وصفهم بـ "السكان" ولا تقرّ بهم شعبا مثل شعوب الأرض له الحق في دولته على أرضه. اعتقد الإسرائيليون أن بالإمكان تجزئة الحل والتخلص من الفائض السكاني في الأردن ودول الشتات.
الكارثة في معاهدة وادي عربة كما في أوسلو أنها أجلت القضايا الجوهرية إلى الحل النهائي. لا توجد مشكلة مياه بين الأردن وإسرائيل، وفي المعاهدة نال الأردن حصته كاملة، وليس صحيحا أن إسرائيل تشر بنا مياه المجاري، هذه دعاية مضادة سخيفة. الجوهري في حقوق نصف السكان من لاجئين ونازحين. حقوقهم في العودة وحقوقهم في أملاكهم.
لم يكن الإسرائيليون على وشك احتلال الأردن حتى يوقع، والنظرية الصهيونية لم تقم على التوسع في احتلال الأراضي. لقد وصلت دبابات شارون إلى بيروت وانسحب منها، ومن قبل في كامب ديفيد انسحبوا من سيناء. النظرية تقوم على إلغاء الشعب الفلسطيني وتحويله إلى قبائل غجرية تتنقل بخيامها على غير هدى تبحث عن لقمة عيش.
لا قيمة لمعاهدة وادي عربة في ظل وجود مخيم واحد في الأردن، اليوم تسعى الولايات المتحدة إلى إلغاء مفهوم المخيم، والتعامل مع المخيمات باعتبارها مساكن شعبية، تطمح بالرفاه. مع أن معلومة بسيطة تقول إن أكثرمن 80 في المئة من اللاجئين يعيشون خارج المخيمات.
بعد خمسة عشر عاما من المعاهدة، توجد حرب باردة رسميا وأخرى ساخنة شعبيا. فالأعلام الإسرائيلية أحرقت بعد المعاهدة أكثر من قبلها. وأدعياء السلام يعملون سرا في غرف مغلقة مثل مروجي المخدرات. والسفارة الإسرائيلية ليست أكثر من عبء أمني.
لم يكن الأردن في حالة حرب مع العدو قبل المعاهدة، لأنه يدرك غياب التكافؤ العسكري، ولا تختلف الحال بعد المعاهدة عن قبلها، لا قدرة على الحرب ولا إمكانية للسلم. لا مشكلة في الشريك الفلسطيني، فحتى حماس تطرح دولة في حدود 67 ، المشكلة في الدولة الصهيونية التي لا تقر إلى اليوم بوجود شعب فلسطيني. ومالم تتخل إسرائيل عن عنصريتها فلا يمكنها تحقيق السلام حتى مع الفلسطينين في اراضي 48.
بعد 15 عاما من المعاهدة يمكن ملاحظة وظيفة واحدة للسفارة، وهي التظاهر عندها تنديدا بجرائم العدو، ولو لم تكن السفارة فأين يحتج الناس؟
عن الغد