عوامل عديدة ساهمت في تأجيج النقاش الإلكتروني حول حوادث الليل في عمان الأسبوع الماضي،من أهمها الفراغ الطويل خلال إجازة العيد، ومضمون الفيديوهات وموضوع النوادي الليلية الذي يلامس جوانب أخلاقية واجتماعية لدى قطاع واسع من الناس.
تداول الفيديوهات بوتيرة عالية ساهم في تضخيم الحوادث، وتصوير عمان كما لو أنها مدينة خارج السيطرة الأمنية.
الحقيقة غير ذلك قطعا؛عمان وسائر المدن الأردنية ممسوكة أمنيا، ومعدل الجريمة المنظمة فيها أقل من مثيلاتها في دول متقدمة علينا. الملاهي والنوادي الليلية منتشرة في جميع مدن العالم بما فيها دول إسلامية كثيرة، وثمة مدن عربية معروفة سياحيا تضم في جنباتها المئات منها، ودول أخرى تنظم فيها مثل هذه النشاطات سرا في بيوت وفلل خاصة.
ينبغي أن تخضع هذه الأماكن لسلطة القانون، وهى خاضعة فعلا كباقي منشآت الخدمات، وإذا ماتبين على سبيل المثال أنها تمارس تجارة البغاء فيجب محاسبتها. لكن هذه التجارة كما هو معروف هى الأقدم في التاريخ ومهما حاولت الدول مكافحتها سيجد تجارها الوسائل للإفلات من القانون، كما هو الحال مع تجارة المخدرات.
لم أجد تفسيرا لحالة الذهول التي طبعت مواقف الناس على السوشل ميديا،كلهم على تواصل مع العالم عبر عديد المنصات الإلكترونية ويعلمون أن جمهورا عريضا من الأردنيين يتابع مواقع إباحية على شبكات الإنترنت، تقدم محتوى يفوق بقذارته ما تشهده محلات الليل.وليس جديدا على الأردنيين مشاهد العراك أمام صالات النوادي الليلية، فعلى مدار سنوات طويلة سابقة شهدنا مثل هذه المشاجرات وإطلاق النار.أما الجرائم بحد ذاتها فمثلها تقع يوميا في أنحاء مختلفة من المدن والبلدات الأردنية وتستخدم فيها أسلحة أشد فتكا، ويشترك فيها أحيانا مجموعات من أشخاص تغلق بسببها طرقات وتحرق بيوت وتهجر عائلات تحت عنوان”الجلوة”.
ما أود قوله هنا أن جرائم الليل الأخيرة في عمان ليست جرائمنا الوحيدة التي ترتكب حتى ننتفض على هذا النحو المبالغ فيه، وننشر الهلع في اوساط الناس، ونصور بلادنا وكأنها مرتع للجريمة المنظمة، تحكمها العصابات في الليل.
ينبغي ألا نسمح للسوشل ميديا بتعريف هويتنا، وتشكيل صورتنا. الأردن ليس صفحة على “فيسبوك” ولاحسابا على”تويتر” أنه بلاد من أرض وشعب.
المسؤولون في أحيان كثيرة ومن دون قصد يساهمون في تشريع حكم”الميديا” على حساب حكم القانون، ويمنحون الرواية الإفتراضية أهمية تفوق الحقيقة،ويتخذون قراراتهم بناء على توجهات مواقع التواصل الاجتماعي. مجاراة هذه الحالة تضع الدول ومؤسساتها تحت ابتزاز مستمر، وتشل قدرتها على اتخاذ القرارات السليمة حتى وإن لم تتطابق مع حملات التجييش والتحشيد على”التواصل الاجتماعي”.
إن الانطباعات التي سادت على مواقع التواصل الاجتماعي ومفادها أن البلد “فلتانه وخربانه” لمجرد تسجيل عدة جرائم متوترة في عمان، تذكرنا بذات الانطباعات التي طالما تكررت في مناسبات مشابهة خلال سنوات ماضية، وبشرت بضياع الأردن. لم يحصل شيء من ذلك بالطبع، الأردن على ماهو عليه، بلد آمن ومستقر، والتوقعات الافتراضية المتشائمة طواها الأرشيف.
الغد