تذهلنا تلك النعومة المفرطة والحساسية الفائقة للتصور .. كانت تنقلنا الى مرتفعات ما بعد الخيال .. كنا أطفالا ولم نكن نفرق كثيرا بين الواقع والخيال، بين الحقيقة والوهم اللذيذ، لذلك فلم نكن ندرى ولا نعرف ان تلك الحسناء التي تستنفد كل طاقات دهشتنا لم تكن أكثر من شخصية من ابطال ألف ليلة وليلة، تصرفت بها الجدات والامهات على مر القرون.
تقول الحكاية بأن بأن فتاة ثرية مغناج كانت تنام فوق 40 فرشة حريرية فوق بعضها ... وقد تضايقت الأمورة ذات ليلة ولم تستطع النوم، فنادت جارياتها ليبحثن عما ينخز خاصرتها في الفراش. وبعد الفحص والتمحيص وتنفيل الفراش بأكمله تبين ان حبة حمص على ارضية الغرفة تحت الفرشات الاربعين كانت وراء انزعاج الفتاة الملساء.
بعد سماع الحكاية كنا نذهب الى الفراش للنوم على (جودل) منقوع ب(الصنّة) مرمي على بساط رث مفرود على التراب مباشرة. لكننا كنا ننغمس في النوم بكل راحة وانسجام حتى لو كان تحت الفراش (مرتفعات وذرنج) او جبال شيحان.
ولم نكن نعدم من افعى تختلس الدفء من فراشنا، او من عقرب يسقط من السقف المصنوع من الخشب والقصب والتبن والطين .. مع ذلك كنا ننام بملء أجفاننا ونحلم بتلك الحسناء الملساء.
دارت بنا الأيام، كبرنا على غفلة من طفولتنا .. وصار لكل واحد منا فرشة مضغوطة وسرير خشبي وسقف من الاسمنت .... لكننا ما نزال تحلم بتلك الفتاء الملساء.
تزوجنا ولم يختف الحلم.
أنجبنا ولم يختف الحلم.
كدنا نصير اجدادا وما زال حلم الحسناء الملساء يداعب مخيلتنا ... وكنا نعتقد انه سيكون حلمنا الأخير على فراش الموت.
اشتركنا في معركة الحياة وكانت ملايين الخناجر تحز خواصرنا .... لكننا كنا ما نزال نسرق لحظات من نوبات الألم لنحلم قليلا بالفتاة الملساء.
اعتدنا على النوم مهما كان حجم الجراح !!!
انخرطنا في النوم أكثر وأكثر
اعتدنا على النوم رغم الدم المتدفق
اعتدنا على النوم.... وما عدنا نحلم بشيء ... فقدنا حسناءنا الملساء
فقدنا القدرة على الحلم
يا للخسارة!!!
الدستور