كتب من كتب ذات يوم مقالا حذر فيه من مراكز تحفيظ القرآن الكريم، باعتبارها مراكز لتصنيع التطرف والإرهاب، ولم يقدم دليلا ولا بينة على ذلك، وطالب باتخاذ إجراءات ضدها، حماية للسلم والسلام والأمن والأمان.
هذا الرأي يتبناه كثيرون، وهذه الكثرة التي تتبناه، لا تسمع لها صوتا، وهي ترى عمان تحديدا، اذ تتحول الى عالم آخر ليلا، بل إن هؤلاء يسكتون ولا يعلقون بكلمة، ولا يطالبون بإغلاق النوادي الليلية، ولو من باب المساواة، للأسف الشديد، مع مراكز تحفيظ القرآن، اذا كانوا يخافون حقا على السلم ، لكن القصة ليست قصة سلم اهلي، بل قصة قلوب حاقدة، هذا مع الإقرار هنا، أن المقارنة لا تجوز بين ما يفعله مركز تحفيظ للقرآن، وبين ما يفعله ناد ليلي، لكننا نتحدث عن الانفصام في المتنطحين والمتنطحات، وازدواجية الشخصية، فيسكتون في قصة، ويدبون الصوت في قصة ثانية.
يسكت هؤلاء، ولا تكون لديهم جرأة إلا على مراكز تحفيظ القرآن مثلا، أو حتى على مضمون خطبة الجمعة، لكن القط يبلع ألسنتهم في قضايا ثانية، ويخفون رؤوسهم في الرمال، باعتبار أن خدش شرف عمان، كل ليلة، امر عادي، ومجرد سياحة، واستقطاب للمال والساهرين على حد سواء، ودليل على التطور.
كيف يمكن ان نثق بهذا الاتجاه، وهو لا يمتلك الجرأة الا على قضايا محددة، ويصاب بالخرس في قضايا أخرى، هذا على الرغم من أن الذي نراه عبر حوادث الأيام الماضية، يمس الدين أولا، ويمس سمعة البلد، وطبيعة الناس الاجتماعية، ويترك أثرا سيئا جدا، على سمعة الأردن أمام العرب، الذين سيتركون كل شيء إيجابي، ويمسكون بهذه القصص؟!.
لقد آن الأوان أن لا يسكت كثيرون، وأنا هنا اتحدث عن النخبة التي فيها خير، فلا سكوت ولا مجاملة، تجاه النوادي الليلية التي باتت محطات لتجارة الرقيق، والاتجار بالنساء، من جنسيات عدة، ولا بد أيضا من إجراءات على صعيد وزارة الداخلية لتقييد دخول جنسيات محددة الى الأردن، ومنعها كليا، فوق إعادة النظر بكل ملف الإقامات، والشقق المفروشة، وما يجري من أعمال قذرة، ووجود شبكات سرية، تدار عبر وسطاء ومواقع عدة، في عمان، وخارج عمان أيضا، بعد أن امتد هذا البلاء.
الكارثة التي يخرج عليك بها البعض، قولهم أن الدولة لا تستطيع أن تتدخل ما لم تحدث مشكلة، أو يتقدم أحدهم بشكوى، وهذا فن جديد، فلماذا تنتظرون شكوى، وانتم تعرفون كل شيء، وهل يكفي تراضي الأطراف في مشهد تجارة الرقيق ليصبح مقبولا ومألوفا، ثم لا يجوز أن يقال ان هذه ظاهرة موجودة في كل دول العالم، واذا كان هذا الكلام صحيحا، فإن هناك فرقا بين وجودها بشكل قليل ومحاربتها، وبين تهيئة الظروف والمناخ والأماكن لنموها وازدهارها؟
عمان في الليل غير عمان في النهار، واذا كانت غالبية الناس، ليست على صلة بهذا العالم، فإن الواجب الاعتراف أن هناك خللا في المعالجة، ولا بد من اتخاذ خطوات مختلفة، فماذا جنينا من سياحة النوادي الليلية وما خلفها، سوى المال القذر، والجرائم، واطلاق النار، وازعاج السكان والجيران، وتفشي الامراض والمخدرات، وتشويه سمعة البلد، وتقديمه بصورة البلد الذي يقدم خدمات المتعة المحرمة، والمؤسف هنا، اننا كلما توسعنا في ما يخالف عقيدة المجتمع وبنيته الأساسية، كلما تراجعت ظروف البلد، فلا ازدهار مع هكذا تجارة، حتى في الدول الغربية التي باتت تتشدد امام هذه الحالات، وتحاربها بكل الوسائل، وتضع شروطا قاسية، وتفرض عقوبات مشددة، فيما نحن نجرب الذي جربه غيرنا، وتخلى عنه بعد ان دفع الكلفة على صعيد بنيته الاجتماعية.
اذا كان هؤلاء لا يخافون الله، فلن يخافوا من القانون، لكن في كل الأحوال هذا الملف بات ملفا أمنيا، إذ اننا امام نواد ليلية تشغل شبكات نسوية، وتدير اعمالا ممنوعة، وهذا وضع يوجب على الدولة اتخاذ قرار بشأنه، وترحيل العاملات فيها، بعد أن بات هذا الملف مزعجا جدا، ويؤشر على ما هو أسوأ.
الغد