دور الأردن في إحياء التراث العربي الإسلامي
أ.د. خليل الرفوع
17-08-2019 07:36 AM
هذا عنوان كتاب صدر حديثا من منشورات جامعة آل البيت، وهو في الأصل أوراق علمية وبحوث أكاديمية قُدمت في المؤتمر الدولي الذي نظمته الجامعة عام ٢٠١٦م، وجاء الكتاب في ثلاثة أجزاء نهض بإعداده وتحريره الأستاذ الدكتور محمد الدروبي، ومجموع البحوث تسعة وثلاثون، جُلُّها يتناول جهود الباحثين الأردنيين في إحياء التراث الأدبي والعلمي، وبعضها شهادات قيمة لثلة من الأعلام الأردنيين تجلِّي تجاربهم في إحياء التراث.
وقد أظهر الكتاب بأجزائه الجهدَ الذي بذل لإخراجه في شكل متكامل متقن من حيث الغلاف و تنسيق المحتوى والفهرسة والمضامين، وقد خلا من الأخطاء المطبعة التي لا تخلو منها الكتب الكبيرة. والحق أن الكتاب يظهر جهود الأكاديميين في تحقيق التراث وجمعه ، وقد اشتمل على دراسات أغلبها لأساتذة الجامعات من أقسام أكاديمية مختلفة تجلِّي ما قام به زملاؤهم من أعمال تحقيقية فردية رائدة في جوانب متعددة، وكانت تلك الدراسات غنية بالمناقشات النقدية والتحليلات العلمية، وهي في مجموعها تكشف أن ما قام به العلماء والباحثون الأردنيون من مشاريع إحيائية للتراث العربي يُعَدُّ مناراتٍ منيرةً في ليل الأمة؛ لعل إضاءة هنا تعيد أبناءها إلى سبل الحضارة.
إن الكتاب بما يشتمل عليه من دراسات قيمة يبين أهمية إحياء التراث العربي الرصين، والجهود التي قدمها العلماء قبل مئات السنين في التآليف العلمية، وأن فكرهم التنويري لم يُطوَ في سجلات النسيان تحت غبار الوهن الذي أصاب الأمة في سني هرمها.
إن الحاجة العلمية أضحت ضرورة لإنشاء مركز علمي وطني يعنى بالمخطوطات والوثائق في الأردن كي يتعرف الباحثون إلى كل عمل تحقيقي قد طُبِعَ وإلى ما يمكن تحقيقه ونشره، فالجهود الفردية المبثوثة في المجلات للترقية الأكاديمية إذا لم تجد سبيلها للنشر ، والعرض على النقد التحليلي لن تسهم في الوعي الفكري الثقافي العام ولن تُقرأ وتقوَّمَ ، كثيرة هي البحوث التي تجمع أشعار القدماء وكثيرة هي الدراسات التي تعيد نشرَ ما خفي من العلوم المختلفة لكن بعثها من خلال مركز وطني يضعها أمام جميع الباحثين والعلماء للمراجعة و النقد والتمحيص والغربلة، فليس كلّ ما يحقق سواء ، فجمعُ أبيات شعرية لشاعر مغمور ونشرها في دورية مغمورة ليس ذا قيمة علمية، وهو يشابهُ جمع أبيات متناثرة وإضافتها لشاعر قديم مشهور محقق ديوانه تحقيقا علميا ممتازا لِيُزْعَمَ أنه تحقيقٌ جديد وفتح مبين ؛ فهناك أوراق ووريقات في مجال التحقيق ليس لها قيمة علمية أو أدبية أو تاريخية، ولعل بقاءَها في غياهب النسبان خير من نشرها ، وكأننا في سوق تجاري تعرض فيه بضاعاتُ من هبَّ ودبَّ ، وليس كل موروثنا المدوَّن يستحق الإحياء ، والمعلوم أنه لا توجد جهة علمية رسمية تدقق في كل ما يحقق ؛ لذا فوجود جمعية لمحققي التراث من أهل الخبرة والتجربة مطلب تقتضيه الحالةُ العلمية الفكرية المعاصرة كيلا تعود الأعمال المحققة إلى مخازن النسيان كما كانت من قبلُ ، وليكونَ للباحثين الأردنيين دورهم الطليعي المُسْتأنفُ في بعث ميراث الأمة الذي يستحق الإحياء.
إن توصيات ذلك المؤتمر التي أقرها المؤتمرون في خاتمة الكتاب يجب أن ينظر فيها مليّا ، فلبعض الجامعات الأردنية ومجمع اللغة العربية الأردني نشاط متواصل في جمع التراث وتحقيقه في ضروب العلوم المختلفة ، لكن تنظيمَه ومتابعتَه بمؤسسيةٍ علميةٍ منهجيةٍ مسؤوليةٌ تاريخيةٌ نأمل من المجمع و الجامعات التضافرَ لتأطير جهود الباحثين في مركز أردني متخصص في إحياء التراث العربي الإسلامي الذي يستحقُ الإحياء ليكون إسهاما وطنيا في جمع المخطوطات والوثائق وفهرستها وتبيين ما طبع منها داخليا وخارجيا، ونقد المواد المحققة وتحليلها والتعريف بمزالقها وأخطائها وتقويم ما اعوجَّ منها، والإشارة بالدراسة التشريحية إلى كل المطبوع التجاري الذي أصبح بضاعة فاسدة يزجيها الطارئون على العلم إلى محاريب التراث .
وبعد، فإن الكتاب من أشهر الكتب العلمية التي نشرت هذا العام وأجودها ، لما كشفه من جهود علمية خالصة للباحثين الأردنيين في إحياء تراث الأمة ونشره. وهو سجل علمي توثيقي مهم، و مجموع توصيات المؤتمر التي خُتِمَ بها الكتابُ جديرة بالتأمل، لعل تطبيقها واقعا يكون قريبا، وأهمها :" تأسيس مركز وطني أردني للمخطوطات والوثائق، ليكون مسؤولا عن تنسيق الجهود الأردنية بين المراكز المعنية بالمخطوطات والوثائق في الأردن" وهذه رؤية ثاقبة لتأريخ المنجز الأردني وتوثيقه ضمن مشروع الدولة الأردنية في حفظ تراث الأمة الحضاري ونشره ، وقد جاء الكتابُ متماهيا مع مركزية الأردن" الدولة التكنولوجية المتطورة" في الريادة القومية، ومكانة أبنائه العلمية في الأمة تمسكا بثوابتها وبعثا لتراثها، وتجديدا لفكر معاصر مُمْنَهَجٍ في مجالات العلوم كافة .