السياسي حين يتجرد من إنسانيته
تيسير النجار
26-10-2009 04:37 PM
هل الكتابة عن المعاناة يمكن ان تخفف منها؟ وهل الكتابة عن المعاناة يمكن أن تلغها ؟ او حتى تخفف من شدة وطأتها؟ وهل التكيف مع المعاناة يشبه التكيف مع المرض وأعراضه حتى لو كان المرض مستعصياً؟
هذا الوصف بالضبط يمكن أن يحفر في ضميرك وأنت تشاهد المرض ينتشر ليس فقط على جوانب الطرقات ؟ وعلى أبواب البيوت ؟ وجدرانها أيضاً ؟
بل ان المرض يذهب أبعد من ذلك وانت تتجول في مخيم البقعة الذي يقع في محافظة البلقاء حتى انك تلمس الألم في كل وجه يشبه وجهك بالضرورة .
الكتابة بعاطفة فقط عن حال الشباب والأطفال في مخيم البقعة لا يجدي نفعاً من شدة الألم والبؤس، ولو أن الكتابة جائزة على المواقع الاخبارية بالدم لفعلت من هول ما رأيت وشاهدت وسمعت، وإن أردت أن تعرف ما شاهدت ورأيت وسمعت، ما عليك سوى القيام بزيارة للمخيم فتعرف معنى الألم غير الشخصي، ولنجرب مرة القيام بالتعرف على أنواع من الألم الانساني، فحين يتألم شخص نجد طرق عدة لعلاجه، ولكن حين يتألم المكان ماذا يمكن أن نفعل لعلاجه وعلى الأخص ان لمخيم البقعة كمكان ثقل سياسياً كبير.
ولكن كثقل إنساني المكان يئن ويتألم ولكن هل من مستغيث هناك من يضغط على روحه كل لحظة وكأنني أرى المكان ميتاً ولكن من يبالي أصلاً ان كان هناك مكان مكان أو حيّ ثمة ظاهرة من البلادة تحيط على الأرواح بعنف وثمة ظاهرة آخى تغزو الشخصية الأردنية اسمها ظاهرة اللامبالاة لا علاج لها .
بعض الشباب ممن يسكنون المخيم تأخذهم دهشة الاعتقاد بان المخيم بالنسبة لأبائهم يمثل تعويضاً لهم عن الوطن المفقود ، ولكن حين تمشى لساعات طويلة في المخيم متأملاً كل اشكال القسوة تذهب للسؤال هل حقاً الوطن الفلسطيني يشبه مخيم البقعة او غيرها من المخيمات وحين يذهب بك التأمل أكثر واكثر وأنت في المخيم تكشتف ان السؤال السابق خطأ وتعود مجدداً للسؤال عن علاقة مخيم البقعة كجغرافيا اردنية بجغرافيا فلسطين المحتلة .
فتعرف ان جغرافيا المخيم جغرافيا بلا قلب حتى وان كانت كجغرافيا تعويضية عن وطن بديل .
جغرافيا المخيم جغرافيا مريضة يلعنها الفقر والبؤس والألم والمرض بكل أنواعها مشتقاته .
جغرافيا مخيم البقعة لها ثقلها السياسي الكبير ولكن ثقلها الانساني يكاد يساوي صفر ولكن لماذا؟ لأن ثمة تنافر فيما يبدو ما بين السياسي والانساني ، والاّ كيف يمكن ان نفهم تلك الهوة من البؤس والشقاء في مخيم يعيش فيه الآلاف من البشر وهم صامتون الاّ عن قول الحق في وجه كل ظالم.
وبالضرورة الحق بالنسبة لكل فلسطيني هو وطنه، والظالم هو كل من ساهم ويساهم وسيساهم أكثر في ضياع ذلك الحق ويبدو ومن باب الضرورة ان تلك المعادلة أيضاً أصبحت بحاجة لاعادة فهم لانسانية البشر .
tayseeralnajjar@yahoo.com