ملامحهم المؤثرة تعطيك صورة عنهم ، صورة أقرب الى القصة منها الى المظهر الخارجي ، فهي عبارة عن خليط غريب من الجمال والشقاوة ، شعرهم الأشقر المجعد يأخذك سريعا الى قلب العصور القديمة ,ملابسهم المزركشة تشعرك وكأنك فوق مسرح استعراضي ، نظرات مليئة بالدهشة والخوف والحذر يمطرونك بها حال اقترابهم أكثر ، قد يطلبون منك مالا أو يعرضون عليك خدماتهم وقد يمضون في طريقهم دون أن تفارقهم نظرات الدهشة .
حديثي هنا عن مجتمع قائم بذاتة له خصوصية وميزات قد لا تجدها في غيره من المجتمعات ، انهم مجتمع الغجر أو ما يسمى بجماعات النور، جاءوا الينا منذ سنين ، وقد تعودنا رؤيتهم ينصبون خيامهم في أي مكان يرغبون ، بعضهم توطن في القرية أو المدينة التي سكنها ولكن المعظم منهم يفضل التنقل من مكان آخر ,
مسكنهم المتغير!
هذا هو ما أردت الحديث عنه بالذات ، ملاحظة لفتت نظري أثناء تجوالي بين مجموعة كبيرة من خيمهم البسيطة التي نصبت على أطراف مدينة اربد ، اختاروا أن يكون هذا المكان أحد الحقول الزراعية التي تحوي عدد من أبراج التقوية العائدة لشبكات الهواتف الخلوية ، أطفال في عمر الورد يقفزون ويلعبون حول هذه الأبراج أمهات حوامل ومرضعات يجلسن أسفل هذه الأبراج ، لا يوجد في تفكيرهم سوى أنها عبارة عن قضبان معدنية يستمتعون بتسلقها ويتفيئون بها ، غير مدركين أن هذه الأبراج ذاتها قد يكمن مقتلهم .
لقد أثبتت الدراسات أن أعداد الهواتف الخلوية والتي يمكن تسميتها بالرفيق المدلل بازدياد رهيب حيث من المتوقع أن يصل عدد مستخدميها الى ما يزيد عن نصف سكان المعمورة ، وبالتالي تزداد الحاجة الى بناء المزيد من أبراج ومحطات التقوية الخاصة بهذه الهواتف ، وقد وجد أن هذه الأبراج تعمل على زيادة نسبة الموجات الكهرومغناطيسية حولنا ,فقد لوحظ أن بعض خلايا الجسم العادية قد تتحول الى خلايا سرطانية في حال التعرض الطويل لهذه الموجات ولكن يقوم الجسم السليم بالتخلص من هذه الخلايا واستبدالها باخرى سليمة ، ولكن في حال كانت خلايا المخ هي المعرضة للأشعاعات فان نسبة تسرطنها تكون أعلى ، ففي دراسات طبية حديثة وجد أن هذه النسبة ترتفع من 5%الى59% ، مما يعرض حياة الشخص الى خطر الاصابة بالسرطان ، وهنا يعلم معظمنا عن الآثار الشديدة التي تتركها الأورام السرطانية على الجهاز العصبي حتى لو كانت من النوع الحميد ,فخلايا الجهاز العصبي هي الخلايا الوحيدة في جسم الانسان التي لا تستطيع أن تتجدد في حال تهتكت ,هذا بالاضافة الى ان هذه الاشعاعات تسبب حالة من القلق والأرق للشخص المتعرض , وتعمل على اضعاف جهاز المناعة لدى الانسان بحيث تقل مقاومة الجسم للأمراض المعدية.
وغالبا ما ينتج التأثير البيولوجي للموجات الكهرومغناطيسية من ثلاث عوامل هي كمية الاشعاع والمسافة التي يصدر عنا وزمن التعرض للاشعاع ,ففي حال كانت كمية الأشعاع كبيرة تكون قوة تأثيرا عالية حتى لو كان زمن التعرض لها قصير.
وقد تنبه بعض أفراد المجتمعات الغربية لخطورة هذه الأبراج بحيث وضع قانون يمنع وضعها لمسافات فاصلة تقل عن مائة متر عن الأماكن السكنية , ونحن كمجتمع على درجة عالية من الوعي والعلم قامت العديد من المنظمات المدنية بالطلب من شركات الهواتف الخلوية بعدم وضع هذه الأبراج فوق العمارات وفي وسط التجمعات السكنية ,هذا من جهة ومن جهة أخرى عمدت شركات الهواتف الخلوية على تفنيد هذه المعلومات معتبرين ذلك شعائات لا صحة لها ,بالمقابل تجد أن بعض الأشخاص يفضلون ما يشبه الاستسلام قائلين أن معظم الأشياء حولنا لها تأثيرات على أجسادنا ابتداء من المأكل والمشرب وانتهاء بوسائل النقل والملوثات ,مؤكدين أن الاستغناء عن هواتفهم النقالة خيارا غير مطروح أبدا فقد أصبحت تلك الهواتف تشبه قطعة من ملابسهم لا يمكن الاستغناء عنها .
ومن الضروري التأكيد على حقيقة أن تأثير هذه الذبذبات قد لا يظهر بين ليلة وضحاها ,وغالبا ما ينتج بعد مرور فترات زمنية طويلة من التعرض لها .
في النهاية أعود وأذكر أن مجموعات النور التي ذكرت ,هم بشر وبالتالي يمتلكون حقهم في حماية حياتهم وحياة أطفالهم من الخطر وأوجه نداء الى الجهات المعنية أن تسارع بابعادهم عن السكن حول وأسفل هذه الأبراج ,ولا يجب أن ننسى أن كل من تطأ قدماه تراب هذا الوطن الطيب قد تفيأ خيمة الأمن والأمان التي بناها أبا الحسين أطال الله عمره ,حما الله الوطن وأدام قائد الوطن ,وابعد عنا وعن البشرية جمعاء ويلات المرض .