وزارة للتواصل الاجتماعي ليست ترفاً ..
إخلاص القاضي
09-08-2019 11:44 PM
كنت ومنذ "عام ونيف"، قد اقترحت استحداث وزارة للتواصل الاجتماعي، وما زلت مُصرة على أهميتها ودورها في مساندة، بل ربما مساعدة الدولة على السير قدماً نحو تحقيق الاصلاح الفعلي، وملامسة إحتياجات الناس وهمومهم بشكل مباشر دون تخفيف وطأتها من قبل متنفذ أو مستفيد أو مترهل، تلك الوزارة ليست ترفاً على الإطلاق، بل أنها بوصلة "الحراك اليومي" بكل تفاصيله، ولربما هي نبض المملكة من أقصاها إلى أقصاها.
وكان لدولة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز ومنذ تشكيل حكومته، الدور الملحوظ في توظيف "السوشيال ميديا" وتطوير محتوى صفحة رئاسة الوزراء، على الأقل في كسر الحواجز بين المسؤول والعامة، فيما يشبه تطويع التكنولوجيا ومسايرتها ومواكبة القضايا المختلفة، هذا في الشكل، أما في المضمون فقد لعبت مواقع التواصل الاجتماعي الدور الأبرز في كشف المستور وفضح المواربة والمماطلة وترحيل القضايا، وقللت إلى حد كبير من"نوايا" العبث بمقدرات ومصائر البلاد والعباد.
لا يمكن، وفي ظل اعتماد العالم كله على وسائل التواصل الاجتماعي في الافصاح او النشر او طلب الدعم أو التحشيد أو تعميم قيم الانسانية والخير أو الإضاءة على ممارسات وإجراءات وإنجازات وحتى، رصد "نفس المسؤولين"، لا يمكن مع كل هذا أن تبقى الحكومات مجرد متلق لها، بل يجب أن تسبر اغوارها بما يخدم الناس، بما يعزز الاصلاح، بما يرفع من سوية التلاقي الحكومي الشعبي، بما يكرس "المصالحة"، أو لتكن إعادة الثقة بين من فقدوا الامل بالتغيير وقدرة الحكومات على صناعة الفرق لصالحهم، لابد للحكومة ولمعرفة نبض الناس اكثر من "مسح" يومي، بل لحظي لمواقع التواصل الاجتماعي، حتى تقترب اكثر من المطالب، من المعاناة، من الآمال، أي لا يقتصر ذلك المسح على الشق"الرقابي" المرتجف من صوت يعلو هنا، ومظاهرة هناك، من معارض هنا، ومنتحل لمعارضة هناك، من حالم بمستقبل مشرف في وطنه، ومن حاقد على وطن لم يعطه ما يتمناه فتحول إلى ناقد استسهل تقنية"اليوتيوب" في رمي سهامه على وطنه وأمته وربما قيادته، ولهذا حديث آخر.
على الحكومة ان تعي أكثر دور وسائل التواصل الاجتماعي وقدرتها في الإصلاح الحقيقي، فلطالما رصدنا قضايا تم الإعلان عنها عبر منشور لناشط أو حتى لمغمور، ولاقت ردود افعال متجاوبة خاصة على الصعيد الإنساني وفعل الخير، على الحكومة أن تدرك أن التواصل الاجتماعي هو "حكومة ظل" تقوم بواجب وطني بشكل غير منظم، ولكنه بشكل أو بآخر رديف قوي ومساند لعملها أو لتقصيرها في مكان ما، آن الأوان لتنظيم ذلك العمل،
آن الأوان للتفكير الجدي بوزارة للتواصل الاجتماعي، تقوم استراتيجتها الاساسية على مسح لحظي لقضايا الناس، وتوزيعها على المعنيين في الوزارات والمؤسسات والهيئات المختلفة، وإلزامهم بمتابعتها مشفوعاً بسقوف زمنية، والاحاطة بكل الملفات حتى إنقضاء الامر ايجاباً، بل ومحاسبة من يقصر من المعنيين بعدم التحرك الفوري لحل القضايا المطروحة عبر مساحات التواصل الاجتماعي المختلفة، خاصة الطارئة منها، ولا يتحجج احدهم بنقص الموارد المالية والبشرية، حيث الحل أيضاً وفي كثير من الأحيان يأتي عبر "السوشيال ميديا" من خلال حملات معينة يسهم من يشاء من خلالها لتقديم الدعم اللوجستي والمادي والمعنوي، في إطار رقابي مدروس، لا أن تبقى بعض الحسابات مادة خصبة لحصد الاموال التي لا يعلم احد اين تذهب تحت بند "العمل الانساني".
وفي المقابل، على الناشطين والمتابعين وكل من يتعامل مع "السوشيال ميديا" أن يوظفها خدمة للمصلحة العامة، فكلنا تحولنا إلى مواطنين مراسلين، وكل منا يملك القدرة على إيصال رسالته بالطريقة المناسبة، وبهذا السياق كلنا شركاء في إثراء عمل الوزارة المفترضة عبر البث اليومي لما نراه أو نسمعه أو لما يمثل مادة محورية تستهدف الحل.
العالم كله اليوم، يستند إلى تغريدة لقائد، أو لمسؤول، أو لناشط، أو لمشهور، أو حتى لشخص غير معروف، ولكنه طرح فكرة أو قضية أثارت الرأي العام، والعالم كله اليوم يتحرك وفقاً لما يبث على مواقع التواصل الاجتماعي، وربما أصبح البعض منا فطرياً يميز الأخبار الصحيحة من الكاذبة، ومن الوهلة الأولى، إلى أن تكذب المصادر المعنية صحة الخبر من عدمه، وهذا أيضاً في صلب عمل وزارة التواصل الاجتماعي .
وفي هذا السياق، ولأن الشيء بالشيء يذكر، لربما كانت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة جمانة غنيمات سباقة لتأسيس منصة "حقك تعرف"، بمعزل عما قيل ويقال عنها "عن تلك المنصة"، والتي أرى أنها بحاجة لتعزيز - على أهمية ما قامت وتقوم به- لتتمكن من المواكبة الشاملة، ولتحقق نتائج ليس فقط على صعيد تصحيح الأخبار، بل أيضاً على صعيد تعزيز شيوع أجواء من الثقة بالخبر الرسمي.
وبعد كل هذا الاسهاب في الفكرة وما حولها، اسمعك أيها القارىء العزيز تقول "هو إحنا ناقصنا وزارات"، وأقول لك نعم نحتاج هذه الوزارة جداً، فهي المرآة اليومية لهمك، هي انعكاس حقيقي لمعاناتك، والجديد بها أن مسؤوليتها تنحصر في رصد صوتك ومطالبك وايصالهما بكل أمانة وإخلاص للمعنيين وملاحقة ذلك حتى النهاية، فوزارة التواصل ستتجاوز الملفات التي "عفنت" بالادراج، وستممكن أنت كمواطن من "إحراج" الحكومة بالوثيقة، والمعلومة الصحيحة، ببث حقك في التوظيف، وفي العيش والسكن والتعليم، وغير ذلك من الحقوق، وربما تتمكن تلك الوزارة من تطوير تطبيق محوري يكون الجسر الاساس للتواصل معها، ناهيك عن فريق الوزارة المولج مهمة الرصد والتبويب والتصنيف ونقل المعلومات بأمانة للمعنيين.
في هذا الزمن تشكل مواقع التواصل الاجتماعي بمجملها "حكومة قائمة بذاتها"، وكأنها حكومة تراقب حكومة، لكنها حكومة موازية، وعلى الحكومة الفعلية أن تأخذها بعين الإعتبار وأن تتلمس أهميتها وقدرتها على تغيير الواقع، والذهنية، وتعزيز الاصلاح الفعلي، وتدعيم أسس الرقابة والمتابعة، وربما محاسبة كل مسؤول عن فساد وترهل ومحسوبية وشللية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كم من مؤسسة اعتلاها متسلق حارق لمراحل على حساب المجتهد الحقيقي، فلماذا لا تكشف عنه وسائل التواصل الاجتماعي، لماذا الخوف من فضح ملفات ومن "طوابق" الشللية والمناطقية، وربما كره الآخر لمجرد أنه "شغيل وعصامي وغير مدعوم وشايف حاله كمان"!، هذا غيض من فيض ما يحدث في بعض المؤسسات، وتعجز العامة عن إيصال الصورة الحقيقية خوفاً على الأمن الوظيفي، ومعرفة أكيدة بأن المسؤول الكيدي سيلجأ إلى الانتقام الكيدي أيضاً، متسلحاً بثغرات القوانين أو بالتفسير الفضفاض لبعضها، والذي يترك سلطة تقديرية، "تسمى كذلك"، ولكنها السيف المسلط على رقاب من يتفوه بالحق.
في ظل وزارة التواصل الاجتماعي، قد يكون لا داعي لمظاهرات ربما تأتي على المقدرات العامة، إذ انها مساحة للتظاهر الطبيعي، للتعبير، للبوح، للطلب، للتظلم، لقول الأشياء كما هي، للتواصل بين المسؤول والمواطن الذي يوصل كلمته بكل مسؤولية وطنية متسلحاً بما كفله الدستور من حرية للرأي.
سندرك عبر تلك الوزارة كم كنا بحاجة لتنظيم الخلاف، لتأطير الاختلاف الموضوعي، لسماع الآخر، لفهم القرارات الحكومية، لفهم القرارات السياسية، طالما ظلت تلك الوسائل طاولة حوار مفتوح لا ينتهي، بل معقودة دائما على الاستماع لوجع الناس وإرادتها ومطالبها وحقوقها، على أن تستخدم بمنتهى المسؤولية انطلاقاً من المواطنة، وقيم الانتماء لتراب البلاد والولاء للنظام الذي لا نرتضي عنه بديلاً، في زمن تشوه الديمقراطية التي أتت على دبابات ورايات سود لا تعرف الإ الظلام والعبثية.
لنا في جلالة الملك عبدالله الثاني، وولي عهده سمو الأمير حسين، وجلالة الملكة رانيا العبدالله المثل الحيوي والحضاري والعصري في تطويع منصات التواصل الاجتماعي عبر حساباتهم للبوح والاعراب عما يطمئن، ويعزز، ويدعم ثقتنا بأسرة جعلت من كل أردني إبنا لها، وعلينا أن نوظف تلك الأبوة، تلك العلاقة الإنسانية، بما يخدم البيت الاردني الكبير المشرع ابوابه لكل قاصد شريف، لكل مواطن لم يغير ولم يبدل في تفسيره لمعنى"الوطن".
في زمن الاتصال لم يعد خافياً على الحكومات أهمية الشفافية والحوكمة وتعزيز دور دولة المؤسسات والقانون، وإعلاء قيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والوسطية والاعتدال، كل هذا سيبقى حبراً على ورق، ما لم نستخدم التكتولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، لتطويعها عملا وفعلاً، لا قولاً سطحياً يسطر باحرف من رتابة وبلاهة، على صفحات مناهج عفى عليها الزمن.