أول من توج منشورات الثورة العربية الخالدة "الدين لله والوطن للجميع على كثر ما أنجبت الامة العربية من أبطال وما صنعت بلاد نا من بطولات فإن فؤاد سليم يعد نموذجاً عالياً وطرازا رفيعاً للعقيدة القومية الاصيلة.والذي ولد في بلدة ببعقلين عام 1893م وكان ابوه الدكتور يوسف سليم درس الآداب في الجامعة الامريكية وقد تخرج منها ولكن كانت روحه متشبعة بحب بلاده والنضال .
اعلنت الحرب العالمية الاؤلى ولم يلبث الاتراك حتى دخلوا غمارها الى جانب المانيا وأخذ طاغيتهم جمال باشا باضطهاد العرب وزجهم بالسجون وعلق احرار العرب على المشانق وشتت عائلاتهم الى مجاهل الاناضول ولقي اللبنان من الاضهاد قدراً عظيماً بالحقد العارم ولم تلبث الانباء باندلاع نيران الثورة بالحجاز واعلان مبادىء الوحدة والاستقلال للعرب ,ووجد فؤاد في هذه الثورة تعبيراً عن كل ما يجيش بنفسه من عواطف وآمال فعقد نيته على الالتحاق بها والمشاركة مع رجالها في مقاتلة الأعداء وصارح والده بنيته فتردد قليلا وهو يعلم بالمخاطر التي تعترض المسافر بين اللبنان والحجاز وفي صيف 1917 م استولى جيش الثورة على ميناء العقبة وانتقلت العمليا العسكرية الى شرقي الاردن فلم يبق من الصبر عنده وأصر اصرارا بالغا على السفر مهما كانت العقبات.
وودع اهله بحجة زيارة اقاربه بجبل الدروز ولم يلبث طويلا في ضيافة حسين الاطرش شيخ (عرى)حتى دبر له السفر مع احدى قوافل البدو فاخترق الصحراء السورية الى القريات ومنها اتجه غربا حتى التحق بجيش الثورة المرابط بين العقبة ومعان بعد ان قاسى الامرين في رحلة شاقة لم يتعود عليها وعانى العطش ولكن ايمانه تغلب على المصاعب والمشقة . اشتبه الامير فيصل اولا بامره وخشي ان يكون عيناً للعدو ولكن الدكتور ثابت الذي كان يعمل مع الثورة وكان صديقاً لابيه فأطمان الامير فيصل اليه والحقه بعمل كتابي في قيادة الجيش ولم يلبث بضعة ايام حتى جاء الى القائد يقول : انه لا يطيق البقاء بعيدا عن المعارك وانه لم يغادر اللبنان كي يجلس بالخيام وحقق القائد امنيته والحقه بمفارز التدمير التي كانت تعمل في مهاجمة المفارز التركية على طول خط الحجاز وتدمير الجسور ونزع القضبان الحديدية وزرع الالغام لنسف القطارات العسكرية .وأبلى فؤاد خلال عامي 1917-1918م بلاء عظيماً في المعارك التي خاضها جيش الثورة غمارها في ميدان شرقي الاردن وذاع صيته واصبح رئيس احدى مفارز التدمير وعندما تشكلت الحكومة السورية المستقلة بدمشق بعد هزيمة الاتراك بقى فؤاد ضابطاً في الجيش ولكنه ابى الى ان يستمر في طليعة المجاهدين المناضلين .
بعد أن اعتدى الفرنسيون على استقلال الدول السورية الفتية (تموز 1920)ودخل جيش غورو مدينة دمشق ,نزح كثيرون من الاحرار والقادة الى مصر وفلسطين وشرقي الاردن ,ولقد منطقة شرقي الاردن يومذاك في وضع غريب .اذا بالرغم عن انها كانت تؤلف جزء من الدول السورية (الفيصلية) الا ان الفرنسيين لم يتقدموا لاحتلال رعاية لاتفاقهم مع الانجليز في مؤتمر سان ريمو (نيسان 1920)م- بأن تخضع هذه المنطقة- شرقي الاردن- لأنتداب الانجليزي ولما لم يكن الانجليز في وضع يمكنهم من احتلال مباشراً فقد تمتعت بحكم شبه استقلالي , ووجد الاحرار النازحون من سوريا فيها ملاذا يلجأون اليه.
وهكذا جاء فؤاد سليم الى شرقي الاردن في جملة من جاء أمثال أحمد مريود ونبيه العظمة ورشيد طليع وعلي خلقي ممن حكم المجلس العسكري الفرنسي في دمشق عليهم بالاعدام .وعندما الف الامير عبد الله حكومة في شرقي الاردن عين فؤادا قائد لكتيبة الفرسان ثم تولى وظيفة اركان الجيش العربي وهو المنصب الثاني في الجيش بعد القائد البريطاني (بيك) الذي اصر الانجليز على تعينه استنادا الى قيامهم بدفع نفقات الجيش.
وخدم فؤاد في الجيش ثلاثة اعوام قام خلالها بنشاط كبير وجهود وجبارة اذ قاد القوى العسكرية لأخماد حركات التمرد التي أثارها بعض الزعماء المحليين .وكانت المعركة الاؤلى بعد انشاء الحكم المركزي في عمان بشهرين عندما هاجم الثائرين في منطقتهم الوعرة بجبال عجلون ولكن اؤلئك تكاثروا على جنوده وأحاطوا بهم وقتلوا عدد منهم واصيب هو بجراح خطرة فخذه وكان أحد العصاة يقضي على حياته لولا ان تدخل قروي اخر لحمايته ونقله الى منزله وبعد هذه الهزيمة عقدت الحكومة هدنة مع الثأرين وأعادت التنظيم لقواتها العسكرية وفي العام التالي هجم عليهم بقواته العسكرية وكان فؤاد يتولى منصب اركان الحرب فأستولت على معاقلهم واخضعتهم ,وكان الاحرار السوريين قد أعادوا تنظيم حزب الاستقلال بعمان واخذوا يعملون على توطيد اقدام حكومة شرقي الاردن وتولى الاستقلاليون المناصب الحساسة في الحكومة والجيش وكان فؤاد زعيم الضباط الاستقلاليين في الجبس .
وفي عام 1923م حدثت في البلقاء ثورة جديدة على الحكم القائم وكانت اهداف تلك الثورة متضاربة ومما دفع الوطنيين الى الشك في امرها ,ان الانجليز اعتبروها حركة محلية وحاولوا منع القوى العسكرية من الوقوف في وجهها واتضح للأمير والاستقلاليين ان الانجليز لا يرودون بالبلاد خيراً فقرروا اخماد الحركة وخرج فؤاد بالجيش وكان القائد البريطاني غائباً على مسؤوليته فصدم الثائرين في ضواحي عمان وشتت تجمعاتهم وقبض على زعمائهم واقام فؤاد بضعة اشهر في شرق الاردن مع صديقه سعيد عمون الذي كان قد فصل من الجيشولم يلبث الانجليز ان خطو الخطوة اخرى فقدموا للامير انذارا لم يجد بد من قبوله وكان من جملة الشروط اخراج زعماء الاستقلاليين من شرقي الاردن ومن بينهم فؤاد خلال ثلاث ايام وهكذا كسب فؤاد عداء الانجليز بعد ربح عداء الاتراك والفرنسيين وقصد الحجاز ثم اتجه الى القاهرة حيث نشر في صحفها فصولاً كثيرة تناول فيها قضية العرب وكوارثها التي المت بها.
واشترك فؤاد في معركة المسيفرة المشهورة وكانت معركة مجدل شمس قد بدأت في الصباح الباكر وها هي الشمس تؤذن المغيب وكان جواده يقف الى جانبه فوضع اخمصه بالركاب وهم ان يعتلي ظهره وفي تلك اللحظة سقطت قنبلة قريبا منه واصبته شطاياه فؤاد فاستند الى جانب جواده ثم مال وسقط على الارض وطلب ماء فحضنه (حمد صعب) وفاه بكلمته الاخيرة متمثلاً بقول الشاعر :ومبلغ نفس عذرها مثل منجح. وعاد الثوار يكرون على عدوهم وعلى سفح رابية تدعى تل الاسود دفنوا شهيد الوطنية واطلقوا الرصاص فوق ضريحه انذارا منهم بأن ينتقموا له من الطغاة المستعمرين .كان فؤاد اول من توج مناشيرالثورة بالحكمة الذهبية (الدين لله والوطن للجميع)وقد كتب رسالة بخط يديه ارسلها من مصر الى صبحي الخضراء زميله في الجهاد يقول فيها انه لا يجد متعة في الحياة الا عند اجتماعه باصدقائه الذين اصطفاهم واصطفوه : صبحي الخضراء وسعيد عمون وصبحي العمري وهم شركاء الجهاد أثناء الثورة العربية وبهذ اعطي فؤاد وهو الدرزي الاصل مثال للوطنية الشريفة الصادقة التي تعلو العنعنات العصبية والدينية .
ان الكلمات لا تستطيع التعبير عن المتاعب والتضحيات التي كانت تصيب هؤلاء المجاهدين ومثال على ذلك كتب فؤاد رسالة الى سلطان الاطرش وقد قال فيها: ارجوكم الاهتمام لارسال اغراضي الخاصة لي اذ ا كانت وصلت عمان لانني مرضت من البرد وساءت صحتي كثيراً بسبب احتيجي الشديد الى الثياب كان مقتل فؤاد سليم يو 20 كانون الاول 1925 ولم يتمكن الفرنسيين من احتلال مجدل شمس الا في شهر نيسان 1926 وقد ذكر خير الدين الزركلي في كتاب الاعلام ان كتابا قد وضع عن سيرة فؤاد ويحتوي على مجموعة مقالاته في الصحف المصرية وانه ما زال مخطوطا في حينه وهكذا غيب الثرى رفات البطل وقضي فؤاد وهو في الثانية والثلاثين من العمر وكان يتنقل من معركة الى معركة مرفوع الرأس ويرى تقديم الدماء على مذبح الحرية فرضاً مقدسا. رحم الله ابطالاً وشهداء كانوا على تراب الاردن يناضلون سواء كانوا من أبنائه او من اخوانهم العرب نفتخر بكم دوما ًوسيقى ذكركم موجود بيننا .