ويسألونك عن العزلة، قل هي راحةٌ من غيبة، ورحمةٌ من قيلٍ وقال واكتفاء بنفسك وتصالح معها وأنسٌ بكتاب يسلّيك أو يواسيك ... أحاول أن أرتقي بنفسي فأنعزل قدر ما أستطيع لكي أجيد عتاب نفسي عمّا فعلتُه بنفسي وأصحح أخطائي، فالوحدة رغم أنها جحيماً لا يُطاق لكنها أفضل بكثير من الأقنعة المتعددة للبشر وهي أفضل من جليس السوء. لا شيء مؤلم يا صاح أكثر من سقوط أقنعة كنتَ تظنها يوماً وجوهاً حقيقية!
ﻣُﺆﻟﻤﺔ تلك الدمعة التي ﺗﺴﻘُﻂ ﻭﺃﻧﺖَ ﺻﺎﻣﺖ، ﺗﺴﻘُﻂ ﻣِﻦ ﺷﺪﺓ ﺍﻟﻘﻬﺮِ ﻭألم ﺍﻹﺣﺘﻴﺎﺝ، ﻭﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗُﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺒﺐ فتذهب تبحثُ عن وطن لروحك المتعبة تلجأ إليه كلما أردتَ العزلة، تتحدثُ إليه عندما تريدُ الصمت، وتحبه عندما لا تطيق الآخرين، وطن لا صَخَب فيه ولا نَصَب ولا ضجيج فلقد تعوّدتْ نفسُك مسَّ الضُّرّ حتى ألفتْه!
أمسك قلماً لأخطّ به جرحاً على الورق، أبحث عن زاوية صغيرة أهرب اليها بنفسي أنجو بها من معمعان معارك الحياة، فإن أيدي المعاشرة نهّابة، زاوية أقف فيها أمام عقلي مستأنساً بوحدتي، حيث لا مفر من المواجهة، زاوية أجدد فيها نشاطي وأقوّي بها ذاتي وجسمي في رحاب حريتي، زاوية لا تقل أهمية عن أماكن ممارسة الرياضة أو تناول الطعام الصحي شروطها الانفصال فقط، وتتطلب القدرة على أن تكون وحدك. زاوية أجد فيها الراحة عن أخلاط السوء وأخلاق السوء ولا أسمح لأحد بالتدخل في علمي سوى معلوماتي وثقافتي الخاصة.
وسيلة النجاة الوحيدة يا صاح، إذا رزقتَ يقظة فصنها في بيت عزلة فتتولد منها الأصالة الكامنة في أعماقك وكل ما هو كامن فيك حول ضجيج هذه الفظاعة الكبرى التي حلّت بحياتك، وكأنَّ الاحتفاء بالذات لا يتمُّ إلا بالعزلة يا صاح! وكأنَّ الاحتفاء بالحياة لا يكون إلا بالصمت تماماً كما يبتعد الغزال الجريح عن سربه ويتوارى في كهفه حتى يبرأ أو يموت!
تنتابني شجاعة العزلة ومجانبة اللغو بين الحين والآخر، أحتفي بذاتي وأقول ماذا لو كنت وحدي أكتفي بمشاهدة ما يفعله الآخرون؟ فإن أفضل التفكير يكون في العزلة، وأسوأه ما يكون وسط الزحام.
taasoleiman9@gmail.com