أرض الأديان التي لا يحج لها أحد
د. نضال القطامين
08-08-2019 02:32 PM
الأردن أرض الأنبياء والصالحين. فيه الأضرحة و مقامات الصحابة والأماكن المقدسة للديانات السماوية، وهو باب الفتوحات الإسلامية حيث المعارك التاريخية الكبرى مثل مؤتة واليرموك. هذا ما يقوله التاريخ وتقوله آلاف الشواهد على الأرض المباركة.
لا يمكن لمسافر ولباحث عن أصول الدين وبداياته، لا يمكن للمتحرّين عن أرومات الحضارات ولا المستقصين عن وسومها ورسومها ودلالاتها، أن يجمعوا ذلك كلّه في رحلة واحدة سوى هنا، في الأردن أرض الرسالات، حيث تكتظ المواقع الدينية المقدّسة على أرضه، في الصحراء والمدن وعلى ضفة النهر، تسرد بشوق الظمأى، قصة أرض الأديان التي لا يحج لها أحد...
لم يكن مسار قريش في رحلات تجارة الصيف أحد الآثار الجليلة التي مسّت فيها قدما النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، تراب الصحراء الأردنية، ولم يكن عُمّاد السيد المسيح عليه السلام حيث وقف بين يدي النبي يحيى عليه السلام، لكي يتعمد بالماء، في موقع بيت عنيا في المغطس، ولا أربعة وثلاثون موقعا أردنيا ورد ذكرها في الكتب المقدّسة، لم تكن هذه الآثار الكريمة وحدها مما يمكن أن يكون سبباً دافعاً كي تكون المملكة قبلة حجاج الدين وهدف السعاة إلى السكينة وماء العطاشى الصافي.
هنا في الأرض المباركة مرَّ النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وهنا مكث أنبياء الله ورسل الدين والمحبة والسلام، موسى وشعيبا ولوطا وهنا تعمّد عيسى واستشهد يحيى بن زكريا، هنا أقام الصحابة رضوان الله عليهم وهنا بُنيت أول الكنائس. هنا تتمازج الروحانيات ببدايات الدين. فلماذا لا يأتي أحد!
الأمر منوطٌ بتهيئة الأسباب وتمكين السيّاح من الإستطاعة. ذات مساء على ضفة نهر الأردن، سألتُ قسّا روسيا وقد استقبلنا وفد حجّاج من روسيا، عن السبب الذي يمنع الحجاج من زيارة المغطس وأربعة مواقع اعتمدها الفاتيكان كمواقع للحج المسيحي قلعة مكاور، جبل نيبو، مزار سيدة الجبل في عنجرة، ومار الياس، فأجاب بكل بساطة، أنّ الحجاج لا يأتوا بالبراشوت، فهم بحاجة إلى طيران وفنادق ومطاعم. لقد أَوْجَزَت كلماته معضلة تسويق السياحة الدينية.
يرتهن تشكيل مستقبل السياحة بتكثيف وسائل تسويق الأنماط المتنوّعة وتعزيز الخدمات الأساسية في المواقع وقبل ذلك وبعده، تخفيف كلف التشغيل على المنشآت كي يتسنّى لأصحابها تمكين السيّاح والزوار من استخدامها.
يسرّني سماع أخبار وزارة السياحة والآثار. أقرأ في أخبار وزيرتها النشطة وفريقها المميز عن برنامج "أردنّا جنة" المدعوم من الحكومة، ذاك الذي يمكّن الناس من زيارة مواقع محليّة مختلفة وغير تقليدية ويمكّن الناس في المحافظات من تلمّس أثر التنمية السياحية. وأقرأ عن تشكيل مجلس أمناء للسياحة الصحية، وعن استقطاب شركات الطيران منخفضة التكلفة، وأزهو حين أرى أننا تجاوزنا أزمات حروب الإقليم.
لا يكفي هذا وحده. نحن أمام تحدٍ كبير في التسويق. لا يمكن أن تبقى المملكة تسوّق في إطار رحلات جماعية تبدأ بمصر وتنتهي في الطرف الآخر. نملك مقومات وأطر تمكين مذهلة. فلا يبقى إلّا أن نشمّر عن السواعد. رفعنا، حين كنت وزيرا، توصية لدولة الدكتور عبد الله النسور تناولت أهمية دعم موازنة هيئة تنشيط السياحة، فوافق على الفور وخصّص لها مبلغا فاق موازنتها في ثلاث سنين.
يمنح تحسّن أداء القطاع السياحي، فرصاً أكبر للنمو الإقتصادي، ومن المهم أن يستمر إبراز مزايا السياحة التنافسية والنسبية والتنافسية في قطاع السياحة والفرص الإستثمارية وتعزيز إجراءات تحسين مناخ الاستثمار .
ينبغي أن لا يتصل التسويق السياحي بشىء سوى باستهداف توجّهات السيّاح عبر العالم. ينبغي أن يعرف العالم جيدا، أن زيارة الأردن أكثر من سياحة وسفر، إنها زيارة سريعة للحضارات وللتاريخ.