هل عاد الاستثمار في داعش؟!
د. زيد نوايسة
08-08-2019 11:29 AM
التقریر الأخیر الصادر عن وزارة الدفاع الأمیركیة ”البنتاغون“ یقول إن تنظیم الدولة الإرھابي ”داعش“ بدا یعاود ظھوره في سوریة وتنظیم صفوفھ وتعزیز قدراتھ في العراق ویعزو التقریر ذلك لعدة أسباب منھا أن القوات المحلیة ویقصد ھنا حلفاء الولایات المتحدة الأمیركیة ”قوات سوریة الدیمقراطیة“ غیر قادرة على شن عملیات عسكریة طویلة الأمد وبنفس الوقت المحافظة على المناطق التي تسیطر علیھا وأن الانسحاب الأمیركي الجزئي ساعد في ذلك على خلاف رغبة الحلیف الكردي الذي یطالب بمزید من التسلیح والتدریب والدعم المالي.
التقریر صدر بعد أیام من تقریر استخباري عراقي یؤكد فیھ أن أبو بكر البغدادي ما یزال یتمتع بنفوذ قوي في مناطق تواجده في سوریة وھو یعاني من شلل في اطرافھ نتیجة إصابتھ بشظایا صاروخ اثناء استھدافھ في منطقة ھجین شرقي دیر الزور أواخر العام 2018.
التقاریر الأمیركیة تحدیداً تتوالى لتؤكد أن التنظیم لم ینتھ. وقبل تقریر البنتاغون صدر تقریر مھم من مؤسسة دراسات الحرب (ISW، (یشیر إلى أن داعش وحسب تقدیر الاستخبارات المركزیة الأمیركیة لدیھ ثلاثون الف مقاتل حتى شھر 2018/8 وأن إمكانیة التنظیم في استعادة قدرتھ أسرع بكثیر مما كان لدیھ سابقاً نتیجة استفادتھ من تجربتھ في السیطرة على مناطق شاسعة من العراق وسوریة ووجود بیئات اجتماعیة حاضنة لھ وما تزال تؤمن بعقیدتھ وأن انسحاب التنظیم كان جزءا من استراتیجیة یعتمدھا ولدیھ حتى الآن شبكة تمویل تمكنھ من التحرك یساندھا جھاز إعلامي قوي یوصل رسائل التنظیم.
ویشیر التقریر إلى أن المبالغة بالقول بإنھاء التنظیم الإرھابي غیر واقعیة لعدة أسباب أھمھا: أن التنظیم الذي لم یعد یملك جغرافیا وخسر العدید من قیاداتھ وآلاف مقاتلیھ ما یزال قادراً على التأثیر فالآلاف من افراد عائلات التنظیم ما تزال موجودة في مخیمات اللجوء داخل سوریة والعراق والمقاتلون الذین جاؤوا من 80 دولة سیستمرون في دعم الحركات الجھادیة التي لا تختلف من حیث العقیدة الفكریة والتنظیمیة عن داعش كجبھة النصرة التي تقود المعركة في ادلب.
لماذا عاد الحدیث عن داعش الآن والتلویح بقدرتھا على إعادة إنتاج نفسھا عسكریا خاصة بعد التطورات الأخیرة وإعادة خلط الأوراق في الأزمة السوریة سواء من ناحیة فشل تطبیق مخرجات اللقاء الأخیر في كازاخستان وفشل الھدنة بین الجیش السوري وفصائل المعارضة المسلحة المدعومة من أمیركا وتركیا في ادلب وإفشال تشكیل اللجنة الدستوریة، والتلویح التركي بالتوغل في شرق الفرات بعمق 30 كم وإقامة منطقة عازلة ومصادرة أسلحة قوات سوریة الدیمقراطیة خلافاً للرغبة الأمیركیة التي توافق على منطقة عازلة بعمق 5 كم. لكن ھناك من یقول أن تركیا بالرغم من رفع سقف التھدید الا أنھا لن تقدم على عمل عسكري وأن الغایة من ذلك ھو تحسین شروط التسویة واستباقاً لأي تسویة قد تنجزھا الحكومة السوریة مع الأكراد وھو ما تعمل علیھ وساطة روسیة مكثفة.
الظروف الموضوعیة لعودة داعش قد تكون متوافرة؛ وما جرى لھذا التنظیم خلال السنوات الأخیرة یثبت ذلك، فمن الخطأ التعاطي معھ باعتباره مجرد تنظیم جھادي فقط بل ھو تنظیم ذو طبیعة خاصة جمع كل التناقضات واستطاع توظیفھا وكان نتاج الاستثمار الدولي والإقلیمي والمحلي ما مكنھ من الاستفادة من التسھیلات العسكریة والمالیة والتوظیف المذھبي والسیاسي تبعاً لأغراض وغایات كل طرف لذلك یمكن فھم تواتر التقاریر الأمیركیة المحذرة من عودتھ خاصة في ضوء تصاعد الأزمة مع إیران من ھرمز لإدلب والرغبة الأمیركیة الدائمة بالاستثمار في تناقضات ھذه المنطقة.
الغد