كثير من الضرائب يقتل الضرائب
د. سامر إبراهيم المفلح
07-08-2019 08:16 PM
لعل مقولة "كثير من الضرائب يقتل الضرائب" تعتبر مبدأ لمنظري فكر اقتصاديات جانب العرض" Supply-Side Economics"، والذي يتبنّى فكرة أن النمو الاقتصادي يكون أكثر كفاءة عند تقليل الضرائب وإزالة القيود والمتطلبات الحكومية لبدء الأعمال والسماح للسوق بالعمل بحرية أكبر، وبهذه الطريقة سيستفيد المستهلكون من بضائع أكثر وبأسعار أقل والذي سينعكس إيجابًا أيضًا على الإنتاجية والتوظيف.
وقد وضع الاقتصادي الأمريكي آرثر بيتز لافر نظريته الاقتصادية والتي بيّن فيها العلاقة العكسية ما بين مستوى الضرائب والإيرادات الحكومية المتوقعة في حال زيادة مستويات الضرائب الحكومية إلى معدلات مرتفعة، وأوضحها بمنحنى سُمّي باسم واضع النظرية "منحنى لافر"، كما إفترض العديد من الاقتصاديين المؤيدين لاقتصاد جانب العرض بأن حجم النمو الاقتصادي في حال تقليل الضرائب سيكون كبيرًا بما يكفي لزيادة الإيرادات الحكومية بشكل كافٍ للتعويض الكامل عن التكاليف قصيرة الأجل لتخفيض الضرائب، وأن التخفيضات الضريبية يمكن أن تسبب في الواقع زيادة الإيرادات الإجمالية أيضًا.
إلا أن هناك وجهات نظر معاكسة لا تؤيد أفكار اقتصاد العرض وتُبيّن أن هناك مخاطر محتملة من تقليل مستوى الضرائب إلى الحدود الدنيا خصوصًا ضرائب الدخل للأفراد، والتي قد تسهم بشكل كبير في زيادة عدم المساواة في توزيع الثروة في المجتمع، ومن المهم جدًا الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الفكرة تكون لاحقة لتكوين الثروة، كما يجادل الاقتصاديون غير المؤيدين لمبدأ العرض بأن الإعفاءات الضريبية للأثرياء لا تحقق سوى القليل من المنفعة الاقتصادية، إن وجدت، لأن معظم الأموال الإضافية لا تنفق على السلع أو الخدمات، وعلى العكس فإن زيادة الإيرادات الحكومية من خلال الضرائب ستساهم في نمو الإنفاق الحكومي مما سيساعد على تنمية الاقتصاد وزيادة الطلب مما يعني خلق فرص عمل إضافية.
ومن الأمثلة العملية على تطبيق نهج اقتصادي يتبنّى جانب العرض ما يُعرف بريغانوميكس "Reaganomics"، وهو لفظ مكون من كلمتي ريغان "Reagan" واقتصاد "Economics" يستعمل للتعبير عن السياسات الاقتصادية للرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان، وقد قام الرئيس الأمريكي الأربعين بتبنّي سياسات اقتصادية تدعو إلى خفض الضرائب على نطاق واسع، وتخفيض الإنفاق الاجتماعي، وزيادة الإنفاق العسكري، ورفع القيود عن الأسواق المحلية خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي للتجاوب مع تداعيات الركود التضخمي الذي عانى منه الاقتصاد الأمريكي خلال أواخر السبعينيات، وبالمحصلة النهائية وبعد فترة من الزمان من تطبيق هذه السياسات استطاع الاقتصاد الأمريكي تحقيق زيادة في الإيرادات الضريبية والتقليل من معدلات التضخم والبطالة مع نهاية الثمانينات.
وبالنظر إلى الواقع الاقتصادي في المملكة فقد كانت السياسات الاقتصادية في بداية العقد الماضي تضع حدودًا منخفضة على الضرائب سواء على الأفراد أو الشركات وحتى ضرائب المبيعات بالتزامن مع عمليات الخصخصة والانفتاح على الاستثمارات الأجنبية، والتي تتماشى مع سياسات جانب العرض إلى حد ما، إلا أن الإنفاق الاجتماعي كان مرتفعًا بسب دعم الكثير من السلع لجميع من المواطنين والمقيمين، وخلال هذه الفترة حقق الاقتصاد الوطني معدلات مرتفعة من النمو الاقتصادي.
وقد تباطأ النمو الاقتصادي في الأردن في عام 2009 نتيجة للأزمة المالية العالمية، وخلال العقد الأخير أُدخلت إصلاحات ضريبية زادت من معدلات الضرائب على الأفراد والشركات، وقلّلت من مستويات الدعم المطلق لبعض السلع ليصبح دعماً مستهدفًا وذلك بهدف تحسين المالية العامة للحكومة بسبب ازدياد المديونية.
اليوم وفي خضم النقاش الدائر بين مختلف الاقتصاديين والمحللين وحتى واضعي السياسة العامة بما هو النهج الاقتصادي الأمثل الذي يجب اتباعه في المملكة للتعامل مع الظروف الاقتصادية التي تواجه العالم بشكل عام والمملكة بشكل خاص، فهل من الأفضل زيادة معدلات الضرائب وتحفيز جانب الطلب من خلال الإنفاق الحكومي؟ أم أن تقليل الضرائب على المستهلكين والمستثمرين ورفع القيود التجارية والإجرائية سيحقق نتائج اقتصادية أفضل على المستوى المتوسط والبعيد؟ أم أن المزج بين النهجين أفضل؟
تبرز الحاجة لوضع إطار اقتصادي متكامل تنبثق عنه خطة تحفيز اقتصادية شاملة تتبنّى نهجًا واضحًا على المستوى الكلي وحتى جزئيًا، بحيث يتم تحديد القطاعات ذات الأولوية التي ستستهدفها هذه السياسة، مع ضرورة أن يُبنى هذا الإطار على النظريات الاقتصادية والممارسات والخبرات العالمية بشكل عام، والتجربة الأردنية بشكل خاص، وبما ينسجم مع السياق الاقتصادي للأردن لمواجهة وتذليل التحديات القائمة، والمساهمة في تحقيق الأهداف التنموية المستدامة.