حديث مصطفوي أم حكمة علوية؟
م. أشرف غسان مقطش
07-08-2019 11:43 AM
أثناء رحلتي الفكرية في كتاب "دراسة في سوسيولوجيا الإسلام" لمؤلفه د.علي الوردي، ترجمة: رافد الأسدي، راجع الترجمة وصدر الكتاب: ماجد شبر، الطبعة الأولى (2013)، دار الوراق للنشر المحدودة، فوجئت بالمؤلف يقول في ص(97):
"لذا نرى واحدا من أشهر أقوال النبي:
"إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، وإعمل لآخرتك كأنك تموت غدا" (5)".
وأرفق الوردي هامشا في نفس الصفحة يقول فيه: "(5): عبد القادر المغربي: الأخلاق والواجبات، ص35".
أي إن الوردي إعتمد هذه المقولة حديثا للمصطفى رجوعا إلى كتاب الأخلاق والواجبات لمؤلفه د. عبدالقادر المغربي.
وسبب المفاجأة علمي مسبقا إن المقولة السالفة الذكر ما هي إلا حكمة من حكم علي إبن أبي طالب وذلك مما خبرته في غربتي التعليمية لنيل شهادة الهندسة من جامعة البصرة في العراق. وإذ تراني وأنا أقرأ ما قرأته أنت الآن عزيزي القارئ، تجدني وكأن الطير على رأسي! فدار تساؤل في أفلاك ذهني عما إذا كانت المقولة حديثا للمصطفى أم حكمة لعلي إبن أبي طالب.
توقفت عن مطالعة الكتاب وجوجلت العبارة إياها آملا في الإستدلال على موقع إلكتروني يعطيني الفيصل فيمن قال هذه العبارة فإذا بالطين يزداد بللا!
تابعت مطالعة الكتاب، وبعد رحلة دامت إحدى وسبعين صفحة، وجدت الوردي يقول في ص(168):
"إن الثنائية التي كان يميز بها المسيح بين هذه الدنيا والآخرة لا زالت صحيحة لدرجة ما. لا يستطيع المرء أن يفوز بكلا الأمرين في الوقت نفسه. محمد أيضا كشف عن الفكرة نفسها عندما كان يدعو في مكة... (ما ودعك ربك وما قلى وللآخرة خير لك من الاولى) (الضحى3-4)".
أي إن القرآن يقارن بين الآخرة والأولى المقصود بها الدنيا مفضلا الآخرة على الأولى؛ فهل يعقل أن يأتي المصطفى بحديث يساوي فيه بين العمل لأجل الدنيا والعمل لأجل الآخرة؟
هذا من جهة، من جهة أخرى، لا بد لنا من أن نقرأ النص التالي المقتبس من كتاب "نظرية المعرفة عند ابن خلدون، دراسة تحليلية" لمؤلفه د. علي الوردي، ترجمة د. أنيس عبد الخالق محمود، الطبعة الأولى (2018)، دار الوراق للنشر. ص(91-92):
"ولأن الأحاديث النبوية عادة ما تتناول ما يجب أن يكون فمن حق أهل الحديث أن يهتموا في البحث فيما إذا كان النبي قد قال هذا "الحديث" فعلا أو لا، ولكن عليهم ألا يستخدموا هذه الطريقة في التاريخ".
وعليه، ما دام إن أحاديث المصطفى تدور عادة في فلك ما يجب أن يكون دون أن تخرج عما بين دفتي القرآن، فإنني أجتهد إن المقولة أعلاه ليست حديثا للمصطفى، لكن هذا لا يعني أن تكون بالضرورة حكمة من حكم علي إبن أبي طالب، بغض النظر عن الكيفية التي ضمن بها عبد القادر المغربي هذه المقولة حديثا للمصطفى في كتابه "الأخلاق والواجبات" ص(35)، وبغض النظر عما دفع الوردي إلى الرجوع إليه مرجعا لإعتماد المقولة حديثا للمصطفى.
ومن نافلة القول ختاما إنني لست أدعي إن إجتهادي قاطع، فلربما أكون مصيبا فيما اجتهدت، ولربما أكون مخطئا، وما أدرانا؟