ما أن هدأت عاصفة خطة وزير العمل اللبناني القاضية بمكافحة العمالة الأجنبية "غير الشرعية" التي ثارت مؤخراً على السطح بعد مظاهرات عارمة وإضرابات وإعتصامات عمت مخيمات اللجوء الفلسطيني في الأراضي اللبنانية وانتقادات واسعة لتلك الخطة حتى برزت مسألة منع الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية من حملة جوازات السفر الأردنية المؤقتة "دون رقم وطني" من دخول الأراضي اللبنانية. وذلك يثير التساؤل بخصوص مغزى تلك الإجراءات التي تتخذها السلطات اللبنانية في هذا التوقيت بالذات، وما الدافع الرئيسي وراء تلك الإجراءات التي تستهدف الفلسطيني أولاً وأخيراً. وهل تساعد تلك الإجراءات في دعم الفلسطينيين وتمكينهم سياسياً واقتصاديا في هذا التوقيت الحرج الذي تمر به القضية الوطنية الفلسطينية.
فمن جانب، لم تستثني خطة مكافحة العمالة الأجنبية سالفة الذكر اللاجئين الفلسطينيين بشكل واضح وتم النظر إليها أنها استهدفتهم بشكل رئيسي على الرغم من أن ما يحصل عليه اللاجئ الفلسطيني العامل من مخصصات مالية يساهم في تقوية الاقتصاد اللبناني، عكس فئات عمالية أخرى تقوم بنقل تلك الأموال إلى بلدانها الأصلية ما يساهم في إضعاف الاقتصاد اللبناني. وذلك ينطبق على العاملين والحرفيين والمشاريع الصغيرة.
وانتقدت بعض الجهات الفلسطينية والفصائل ووسائل الإعلام تلك الخطة كونها جاءت متزامنة مع ما يعرف باسم صفقة القرن التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وتوطين اللاجئين، خصوصاً في ظل الحديث عن ضغوط تمارسها بعض الجهات الدولية الفاعلة على دول الإقليم بشكل عام، وعلى تلك الدول التي تعنى بالقضية الفلسطينية بشكل خاص، من أجل المساعدة بشتى الطرق في حمل الفلسطينيين على القبول بتلك الصفقة. ومؤدى ذلك أن استهداف الفلسطينيين المقيمين في لبنان يتساوق مع ما تهدف إليه تلك الجهات الدولية ما يساهم في إضعاف الموقف الفلسطيني من منظور استراتيجي.
ومن جانب آخر، فإن منع الفلسطينيين ممن يقيمون في الضفة الغربية ويحملون جوازات سفر أردنية مؤقتة من دخول الأراضي اللبنانية بحجة وجود ختم إسرائيلي حسبما أعلن الناطق باسم الأمن العام اللبناني مناف للحقيقة، كون أن الفلسطيني الذي يحمل جواز سفر أردني مؤقت لا يتم ختم جوازه من قبل الجانب الإسرائيلي عند خروجه من الأراضي الفلسطينية أو عودته إليها وإنما يتم ختم التصريح المؤقت والمخصص لغايات المرور لمرة واحدة. وهذا التصريح يتم استخدامه من قبل الجانب الإسرائيلي عند الخروج من الأراضي الفلسطينية والعودة إليها ولا علاقة له بأية دولة أخرى سواء كانت عربية أو غربية. إضافة إلى أنه لا يتم ختم البطاقة الخضراء "بطاقة الجسور" التي يحملها المواطنين الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية من قبل الجانب الإسرائيلي، خلافاً لما أعلن عنه الناطق اللبناني المذكور. وتلك البطاقة الخضراء لا علاقة لها بالمرور إلى دول أخرى وإنما تستخدم فقط في حالة مرور الفلسطيني المقيم في الضفة الغربية إلى الأردن والعكس صحيح. وعليه، فإن تلك الإجراءات تستهدف الفلسطيني مرة أخرى دون وجود سبب منطقي وجيه. ونما إلى علمي مؤخراً عبر بعض وسائل الإعلام الموثوقة قيام السلطات اللبنانية بإعادة الفلسطينيين ممن يحملون جوازات سفر مؤقتة إلى وجهتهم الأولى ومنعهم من دخول الأراضي اللبنانية رغم حصولهم على التأشيرات اللازمة.
إن تلك الإجراءات والقرارات لا تساهم في دعم الفلسطينيين سواء أولئك الذين يقيمون في مخيمات اللجوء أو أولئك الذين يقيمون في الضفة الغربية. لذلك، فالمطلوب دعم الفلسطينيين وتمكينهم سياسياً واقتصاديا من قبل الأشقاء العرب على الأصعدة كافة، خصوصاً في هذا التوقيت الذي تمر فيه القضية الفلسطينية بأدق مراحلها نتيجة معطيات موضوعية وتحالفات إقليمية ودولية. إضافة إلى قيام إسرائيل بخصم أموال المقاصة الفلسطينية واجبة الدفع ما أثر بشكل مباشر على القطاعات الاقتصادية والتعليمية والصحية واستلزم اتخاذ إجراءات تقشفية من أجل مواجهة تداعيات الأزمة المالية التي تمر بها المؤسسات الفلسطينية منذ عدة أشهر نتيجة لذلك، ما يشمل صرف نصف الراتب للعاملين فيها.