مجتمع الخير والمروءة والرحمة
عاصم العابد
05-08-2019 09:42 PM
كانت الضغوط على فقرائنا والمعسرين منا، أخفّ وطأة وأقلّ بروزا. فكان تحمّل الفقراء اكبر مما هو عليه الآن، وسيكون تحمّلهم اقل، بعد شهر أو شهرين، وأقل بعد ربع سنة او ربعين، فالأوضاع الاقتصادية في العالم متداعية، وهي في طريقها الى مزيد من التداعي، واوضاع بلدنا الاقتصادية صعبة، وقدرة الحكومة على دعم السلع والخدمات الرئيسية والفقراء والارامل والايتام والطلاب قد تكون معدومة . فالأسعار في ارتفاع مستديم ، والجشع يترعرع بيننا ويكبر والطمع في ازدياد وتعاظم.
قيل لتاجر تعوّد ان يتصدق بأكثر من نصف دخله اليومي: اترك شيئا لذويك ولشيخوختك. قال: الله يعطيني فأعطي عياله الفقراء، واخشى إن انا امسكت، ان يمسك ربي عنّي، وما اتصدق به هو الحبّة التي تنبت سبع مئة حبة او يزيد. وأضاف: ألم تقرأوا قوله تعالى: «ومن يوقّ شحّ نفسه فأؤلئك هم المفلحون».
ان ابرز ما يحول بين الموسرين وبين الفلاح، هو البخل والشح اللذان يغلاّن المرء ويكبّلانه عن فعل الخير، فنراهم يكنزون الذهب والفضة والدولار واليورو، ولا ينفقونها في سبيل الله وفي اقالة عثرات اخوانهم المحتاجين والمعوزين الذين بهم خصاصة وسغب واملاق.
والنبي بعد الله عز وجل يدلنا على الخير فيحذرنا من الشّح: «إياكم والشح...» لأن الشّح اهلك من كان قبلنا وجعل المسلمين طبقات، موسرين متخمين، ينفقون على الملذات والمظاهر - الا من رحم ربك -، ومعسرين متضورين من الفاقة والجوع والقلّة.
ان الناس يغفلون عن حقائق بارزة واضحة فينسون ان ما ينفقونه من اموال في سبيل الله، هي صدقات ورحمات وبركات، وهي من اموال الخالق تبارك وتعالى، التي ابتلاهم وامتحنهم بها. امّا الذين اصابتهم بلوى الشّح والبخل والتقتير، فمصيرهم واضح جلي. قال تعالى: «والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذاب أليم».
نحن في ظروف اقتصادية ومالية قاهرة صعبة تقتضي مواجهتها استدعاء كل ما في مجتمعنا من خير ومروءة ورحمة وتعاون وايمان. فبيننا اليتيم الذي فقد سنده وعائلته، وبيننا الارملة التي توحّدت في مواجهة صعوبات الحياة وقسوتها، وبيننا طلاب العلم الذين يكابدون من اجل الصمود في ظروف قاهرة، وبيننا الاسر المستورة المتعففة عن السؤال ومد اليد وما أكثرها، وبيننا في المقابل، الخير والرحمة والتكافل الذي يتمثل في قوله تعالى: «...ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة».
نحن مقبلون على عيد الاضحى المبارك ، وما هي إلا أيام ويبدأ التحضير لدخول ابنائنا الطلبة الى المدارس وحاجاتهم وقبول ابنائنا في الجامعات ومقتضيات ذلك وغيرها من النفقات التي تنوخ بثقلها المهلك على اسرنا الكادحة محدودة الدخل او عديمته حتى.
نحن في مركب واحد ولا مفر من التعاون، فليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع، ومعروف عن مجتمعنا الاردني انه المجتمع المتكافل ومجتمع العونة والرحمة والتماسك، وفي الظروف الصعبة مثل ظروفنا يتجلى كل ما فينا من خير ورحمة وتواد.