الموارد البشرية في القطاع العام سبيلاً لتعزيز التنافسية
د. سامر إبراهيم المفلح
03-08-2019 10:19 PM
إن الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة في أي مؤسسة يشكّل السبيل المثالي لتحقيق أهدافها بكفاءة وفعالية وبما يعزز الميز التنافسية من خلال رفع مستوى الخدمات والمنتجات التي تقدمها تلك المؤسسات، وفي علم الإدارة تتعدد أشكال الموارد المتوفرة داخل المؤسسات، ويجمع المختصون بأن أشكالها الرئيسة هي أربعة أنواع من الموارد.
الموارد التقليدية المعروفة هي الموارد المالية “Financial Resources” المتمثلة بالأموال والسيولة المتاحة في المؤسسة كالنقد الذي هو في حوزتها، الودائع المتوفرة، الاستثمارات المالية قصيرة الأمد، قدرة المؤسسة على الاقتراض والتمويل، وغيرها من أشكال الملاءة والصحة المالية.
الشكل الثاني من الموارد هو الموارد الملموسة“Physical Resources” والمتمثل بالأصول المملوكة للمنظمة كالمباني، والأراضي، ومختلف العقارات، بالإضافة إلى الآلات والأدوات والأثاث والمركبات وعلى نسقها من الأصول الملموسة والمرئية.
النوع الثالث الرئيس من الموارد والذي لاقى اهتمامًا واسعًا حديثًا هي الموارد التكنولوجية والفكرية والمعرفية “Intellectual Resources” وهي بالعادة تمثل الموارد غير الملموسة مثل براءات الاختراع التي في حوزة الشركة، الثقافة المؤسسية التي تُسهم في تحسين الإنتاجية أو الخدمة المتميزة، المهارات الفريدة لدى الموظفين، الأنظمة التكنولوجية المطورة تراكميًا داخل المؤسسة أو الشركة ولا يمكن لمنافس الحصول عليها.
ورابع الموارد الرئيسة داخل المنظمات هي الموارد البشرية “Human Resources” والمتمثلة في الموظفين الذين يعملون لديها، وحتى نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي كان يُنظر للموارد البشرية في معظم الشركات والمؤسسات نظرة تقليدية تتمثل في القوة البشرية اللازمة للإنتاج في المصانع أو إنجاز العمل في الدوائر الرسمية، أما اليوم مع الانتقال السريع في العديد من اقتصاديات العالم المتقدم إلى اقتصاد الخدمات واقتصاد المعرفة، صار الاهتمام بالموارد البشرية يزداد يومًا بعد يوم .
ولهذا أيضًا تطورت ممارسات وأنظمة الموارد البشرية وأدبياتها بشكل متسارع خلال الثلاثين عامًا الماضية فظهر مفهوم جديد يتخطّى الممارسات التقليدية المرتبطة بالموارد البشرية والتي كانت تسمى إدارة شؤون الموظفين “Personnel Administration” إلى مفهوم أحدث هو إدارة الموارد البشرية “Human Resource Management” والذي يركز على بناء منهجيات وأنظمة مرتبطة بأعمال الموارد البشرية في المؤسسات، مثل أنظمة التوظيف “Recruitment Systems” والتي تشمل تحليلًا للوظائف، وتوصيفها، واختيار الموظفين، وتخطيط الموارد. وأنظمة التدريب والتطوير والتدريب “Training and Development Systems” المتعلقة بتحديد احتياجات التدريب، وعقد البرامج التدريبية وتقييمها، وبناء المسار الوظيفي للموظفين. كما تشمل إدارة الموارد البشرية أنظمة التقييم للموظفين “Appraisal Systems” وأنظمة المنافع “Compensation Systems”.
ومع بداية القرن الواحد والعشرين تطورت إدارة الموارد البشرية إلى الإدارة الاستراتيجية للموارد البشرية “Strategic Human Resource Management” والتي تسعى إلى إيجاد منظومة متكاملة من أنظمة الموارد البشرية مرتبطة مع بعضها لتسهم في استقطاب الأفراد المناسبين، وبناء القدرات، ومكافأة الموظفين بحيث تشارك الموارد البشرية في المؤسسة في تحقيق الميزة التنافسية “Competitive Advantage”، كما تسعى الأنظمة أيضًا إلى صقل قدرات الموارد البشرية للاستجابة للاحتياجات الحالية والمستقبلية للمنظمة.
الشكل الأحدث من أدبيات وممارسات الموارد البشرية يعنى بما يسمى بإدارة المواهب، والتي عرّفها البعض على أنها "مجموعة من العمليات التي تسعى لصياغة استراتيجية تركز على تخطيط حاجة المنظمة الآنية والمستقبلية من الموهوبين من خلال تشخيص مستوى وجودة المواهب المتوافرة في المنظمة، وفي جميع مستوياتها التنظيمية، وتطوير وإثراء معارف الموظفين باعتماد معايير موضوعية وبرامج تطويرية مستدامة، والعمل على المحافظة على الموهوبين من خلال توفير الظروف الملائمة والحوافز المشجعة لإسنادهم وإدارة مسارهم الوظيفي".
وعرفها آخرون على أنها "سلسلة من الخطوات الرشيدة والمتمثلة بتحديد المواهب، واستقطابها، وتوزيعها، وتطويرها"، وبالرغم من تعدد التعريفات وتنوعها إلا أن هناك اتفاقًا على أن إدارة المواهب هي تنفيذ استراتيجيات متكاملة أو أنظمة مصممة لتحسين عمليات توظيف وتطوير الموظفين، والاحتفاظ بذوي المهارات المطلوبة، والاستعداد لتلبية الاحتياجات التنظيمية الحالية والمستقبلية.
اليوم يحكم نظام الخدمة المدنية ممارسات الموارد البشرية داخل المؤسسات الحكومية، وتشير التقديرات بحسب تقارير إخبارية مختلفة أن عدد الموظفين في القطاع العام يتجاوز 200 ألف موظف، بينما بلغ عدد المشتغلين الأردنيين في العام 2017 ما مجموعه 1.48 مليون أردني عامل بحسب الأرقام التي توردها هذه التقارير، ولعل نظام الخدمة المدنية من الناحية النظرية يورد ممارسات متقدمة متعلقة بإدارة الموارد البشرية، ويضع أنظمة تستند إلى الممارسات الفضلى بما يتعلق بالتوظيف، والتدريب، والتقييم، وتقديم المنافع.
ولكن السؤال المهم هل فعلًا أن المدراء التنفيذيين ومدراء الموارد البشرية يتعاملون مع الموارد البشرية الموجودة كوسيلة لتحقيق الميز التنافسية داخل المؤسسات العامة؟ أم أن الممارسات المطبقة في بعض الحالات تركز فقط على إدارة شؤون الموظفين بنمطها التقليدي، كما أنه من المهم جدًا معرفة ما إذا كان الموظفون أنفسهم على دراية كافية في آلية تطبيق مختلف أنظمة الموارد البشرية بالشكل الأمثل! مثل كيفية تحديد الاحتياجات التدريبية للموظفين؟ وكيفية إجراء تقييم الأداء السنوي للموظفين بالطرق المثلى؟.
فالبتزامن مع التحديثات التي يتم دراستها لإدخالها إلى نظام الخدمة المدنية، من المهم جدًا أيضًا تطوير النظرة للموارد البشرية داخل مختلف المؤسسات الحكومية لتكون نظرة إستراتيجية تتمركز حول إدارة وتطوير هذه الموارد بالشكل الأمثل لتحقيق أهداف وغايات مختلف المؤسسات، وبطريقة يسهم فيها الموظف في تحقيق الميز التنافسية للدولة الأردنية، مما سينعكس إيجابًا على مستوى الخدمات للمواطنين، وللأعمال، والمستثمرين الأجانب.