من أيام المدرسة والجامعة علاقتي مع الكتاب وثيقة وحميمة. ويعني قد أصنف بأني من زمن الكتاب الورقي، وعايشت أيام عزه الاخيرة. وحيث كان منتشرا ومتوفرا، وزيارة المكتبة واجب تعليمي وتثقيفي يومي، وشراء الكتب لمن استطاع اليه سبيلا ضرورة، ولا يمكن أن تتعلم دون كتاب، ومهما بلغت نظريات التربية الحديثة من انقضاض على الاصول فالكتاب هو جذر التعليم.
الكتاب لم يكن للترفيه والاستعراض البرجوازي، وادعاء التعلم والثقافة ومن الجماليات كما يفعل بعض مستهلكي الثفاقة. من يشترون الكتب للتباهي وليزينوا الجدران لاخفاء عقول متلبدة بالجهل والأمية الفكرية والمعرفية.
واسمحوا لي أن اروي لكم حدوتة وقعت قبل أعوام، كنت جالسا بالقرب من كشك لبيع الكتب في وسط البلد ، وإذ قد مر أحدهم، ووقف يقلب في الكتب المعروضة على الواجهة، ويسأل عن الاغلى ثمنا، ولا أعرف لماذا. ولربما هذا عادي، ولكن ما فجر الانتباه أنه يسأل عن آخر رواية صدرت لعبد الرحمن منيف.
وطبعا صاحب الكشك يريد أن يبيع أي كتاب، فاخرج له رواية « قصة حب مجوسية «، وطلب ثمنها خمسون دينارا، وأقنعه بانها وصلت حديثا الى البلاد ، واعداد النسخ المتوفرة قليلة، ولو يشتري اثنتين أو ثلاثة بكون أحسن قبل ما يخصلوا من السوق. واقنعه بالأمر، وكأنه يتبضع في سوق خضار اشترى ثلاث نسخ.
وغادر الكشك حاملا الكتب، وعندما وصل الى السيارة رماهم في الكرسي الخلفي، وجلس الى جانب السائق ومضى مغادرا وسط البلد. هذه الحدوتة مر عليها ازود من 4 اعوام، وفيما بعد التقيت به صدفة، وفتح حوارا سياسيا وثقافيا، وجلبت في غبته حديثا عن عبدالرحمن منيف، وجاءت المفاجأة بقوله :انه قرأ قبل شهور آخر رواياته، واضاف بانه ينتظر الرواية الجديدة لعبد الرحمن منيف. اه.. ولو أن منيف في قبره يعلم ما جري للثقافة والفكر العربي لما خط حرفا واحدا.
فتحت سيرة الكتاب في غبة ما يثار من جدل حول أحد الأفلام، والترويج الامريكي -الاسرائيلي لرواية يهودية البترا ووادي موسى، وما نشر عن إحياء متدينين لطقوس وصلاوات يهودية في مقام النبي هارون في وادي موسى.
المكتبة الأردنية على اتساع رفوفها لا يوجد الا كتاب يتيم عن تاريخ واركولوجيا الاردن القديم، والكتاب لاحسان عباس عن تاريخ دولة الانباط، وهو جدير بالقراءة لدحض الرواية والادعاءات الصهيونية.
لربما ان هذه الحقيقة صادمة ومحزنة معا. وما هو أشد خطرا في تعقب بعض الردود في عجزها عن صياغة و نسج رواية نقيضة ومضادة ، ومعاكسة للأطروحة الصهيونية في تحريف وتزييف وتزوير التاريخ الاردني القديم.
الكتاب له فائدة وأهمية استراتيجية قصوى في المعرفة والفكر والسياسة . وبفضل فراس السواح واحمد داوود وهما مؤرخان سوريان تعلمت الكثير الكثير عن التاريخ القديم لسورية الكبرى والعراق والاردن فلسطين . ولربما ان اللحظة الراهنة ملحة لجلب تلك الكتب ونثرها على أدراج المدارس والجامعات ليتعلم الطلاب والاجيال الواعدة التاريخ الحقيقي.
الدستور