تركي الدخیل والعلاقات الاماراتیة السعودیة
السفير الدكتور موفق العجلوني
03-08-2019 01:19 AM
استضاف مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتیجیة في ابو ظبي یوم الاربعاء الموافق ٣١٧٢٠١٩ سفیر المملكة العربیة السعودیة لدى دولة الامارات العربیة المتحدة سعادة السید تركي الدخیل في محاضرة قیمة بعنوان: العلاقات الاماراتیة السعودیة والتحدیات الحالیة في المنطقة، وذلك بنا ًء على دعوة من مدیره العام سعادة الاستاذ الدكتور جمال سند السویدي.
وقد تمیزت ھذه المحاضرة بنظري بأربع میزات رئیسیة، الاولى انھا تتناول العلاقات السعودیة الاماراتیة في ضوء تحدیات كبیرة تواجھ منطقة الخلیج، اولاً على مستوى التدخلات الایرانیة بدول الجوار وخاصة المسألة الیمنیة واحتلال جزر الامارات الثلاث.
والثانیة ان مكان المحاضرة ھو مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتیجیة في قاعة الشیخ زاید رحمھ الله ھذا المركز المتمیز في الشرق الاوسط بإدارتھ العامة وضیوفھ من كبار القیادات السیاسیة والدولیة والقامات العلمیة والاكادیمیة، واصداراتھ ونشراتھ وندواتھ ومؤتمراتھ وورش عملھ ودراساتھ وابحاثھ وتوصیاتھ الى اصحاب القرار في المجال السیاسي والاقتصادي والاجتماعي والامني والعسكري.

والثالثة ، المحاضر الكریم و ھو الى الجانب مھمتھ الدبلوماسیة معروف انھ من أبرز الكتاب والصحفیین الممیزین على المستوى الخلیجي و العربي ، علاوة على اطلاعھ على المعطیات السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والتحدیات التي تمر بھا منطقة الخلیج العربي و المنطقة بشكل عام و كونھ الكاتب والصحافي ولھ العدید من المساھمات الصحفیة والاعلامیة وھو مؤسس ومالك ورئیس مجلس إدارة كل من "مركز المسبار للدراسات والبحوث" منذ 2005، و"دار مدارك للنشر" ، والمدیر العام لكل من "قناة العربیة" منذ كانون الثاني 2015، وقناة "الحدث" التابعة لھا لغایة تعیینھ سفیراً .
و المیزة الرابعة ، ترتبط المملكة العربیة السعودیة بقیادة خادم الحرمین الشریفین الملك سلمان بن عبدالعزیز آل سعود، ودولة الإمارات العربیة المتحدة بقیادة صاحب السمو الشیخ خلیفة بن زاید آل نھیان، بعلاقات تاریخیة أزلیة قدیمة، ضاربة في جذور التاریخ والجغرافیا، تعززھا روابط الدم والإرث والمصیر المشترك، أسس دعائمھا المغفور لھ ـ بإذن الله ـ آنذاك الملك فیصل بن عبدالعزیز آل سعود، وصاحب السمو الشیخ زاید بن سلطان آل نھیان ـ رحمھ الله ـ، وحرص قیادتي البلدین على توثیقھا على مر الاجیال ، حتى تستمر ھذه العلاقة على ذات النھج والمضمون، مما یوفر المزید من عناصر الاستقرار الضروریة لھذه العلاقة والتي تعتبر نموذجاً للتضامن الحقیقي بین الأشقاء وتكتسب المزید من التنسیق والتعاون المضطرد لتلبیة طموحات قیادتي البلدین.. فالتحالف والثبات في التعامل مع القضایا المصیریة كافة رسخ دول الخلیج العربي كمرجعیة عالمیة واكتسبت احتراما منقطع النظیر وتبنت عشرات الدول مواقفھا كونھا مواقف تستند إلى إرث طویل من العلاقات الأخویة التي بینت النظرة البعیدة وسداد المواقف الحكیمة والشجاعة لسیاسات البلدین التي تؤتي ثمارھا في كافة المیادین والمحافل الدولیة.
تناول المحاضر عدة محاور رئیسة في تاریخ انطلاق العلاقات التاریخیة بین المملكة العربیة السعودیة ودولة الامارات العربیة المتحدة: وكان من أبرز ھذه المحاور التي انطلق منھا المحاضر امام حشد كبیر من الحضور في قاعة الشیخ زاید في مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتیجیة:
• انطلقت ھذه العلاقات من أسس اجتماعیة وسیاسیة مشتركة، یدل علیھا التفاھم والتعاون والتنسیق المباشرة، الذي یعود إلى السنوات الأولى من فكرة الاتحاد حتى تأسیس دولة الإمارات العربیة المتحدة، وقد ُوثِّقَت ھذه التفاھمات من خلال البرقیات الرسمیة بین ملوك المملكة العربیة السعودیة والمغفور لھ، بإذن الله تعالى، الشیخ زاید بن سلطان آل نھیان، طیب الله ثراه، وإخوانھ أصحاب السمو حكام الإمارات.
• یعود تاریخ العلاقات السعودیة الإماراتیة إلى نھایة الستینات، عندما أرسل الملك فیصل بن عبد العزیز رحمھ الله رسالة إلى ملك الكویت یدعوه فیھ إلى تشكیل مجلس ثنائي للتنسیق بین »الاتحاد التساعي« آنذاك الذي كان یضم بالإضافة إلى الإمارات السبع البحرین وقطر. حیث كان الوفد السعودي الكویتي یجوب الإمارات التسع ویعقد لقاءات مع زعمائھا للوصول إلى كیان الاتحاد الذي نشأ في 1971م
بقیادة الشیخ زاید بن سلطان آل نھیان، حیث ساعد الوفد »النظام التساعي« على قیام دولة الإمارات.
• استندت العلاقات السعودیة الإماراتیة إلى أسس اجتماعیة وسیاسیة مشتركة وث َّقتھا البرقیات ال ُمتبادلة بین الزعماء في البلدین، حیث یمكن استعراض التوافق السعودي الإماراتي بوضوح من خلال التنسیق في العدید من الاحداث التي عصفت في المنطقة، وھذه الأحداث لیست الوحیدة التي یتجلى فیھا التنسیق والتوافق السعودي الإماراتي. بنفس الوقت تواجھ الدولتان التحدیات الإقلیمیة الجدیدة بتنسیق عا ٍل ورؤیة موحدة تدعم الاستقرار في المنطقة.
• توجت العلاقات الاقتصادیة بین البلدین بإعلان »مجلس التنسیق السعودي الإماراتي« في 16 مایو 2016، حیث شكلت العلاقات الاقتصادیة ركیزة أساسیة في التكامل بین البلدین على أسس تنافسیة وشراكة حقیقیة قوامھا المصلحة المتبادلة لرفع جاھزیة واحترافیة الجانبین، وضمان استمراریة العلاقة القائمة على مصالح اقتصادیة حقیقیة. حیث بلغ حجم التبادل التجاري بین البلدین خلال النصف الأول من 2018 نحو 38.4 ملیار درھم، وتعتبر السعودیة رابع أكبر شریك تجاري عالمي للإمارات، وفي 2017 احتلت الإمارات المركز الثالث في نسبة الصادرات إلى السعودیة بعد الصین والولایات التحد، وتصدرت الدول الخلیجیة ال ُمص ِدّرة للسعودیة والمستوردة منھا. بنفس الوقت تجاوزت الاستثمارات السعودیة في الإمارات 35 ملیار درھم تعمل فیھا نحو 23 ألف شركة سعودیة، و66 وكالة تجاریة، فیما بلغ عدد المشروعات الإماراتیة في السعودیة نحو 114 مشروعاً مقابل 206 مشاریع سعودیة في الإمارات. وقد استفادت المملكة من التجربة الإماراتیة في الجانب السیاحي، حیث زار 15 وزیراً سعودیاً الإمارات قبل بضعة أشھر للاطلاع على التجربة الإماراتیة في منح التأشیرة السیاحیة.
• استعرض المحاضر كیف واجھت كل من المملكة والامارات ما یطلق علیھ بالإسلام السیاسي ومكافحة الطرف حیث وحاولت ھذه الجماعات الاستفادة من أحداث 2011، فكانت وقفة الریاض وأبو ظبي قویة لدعم استقرار الدول العربیة وكسر عصى الفوضى ومساعدة الدول الشقیقة على الاستقرار. كما كافحت الدولتان تواجد تنظیم »داعش« الإرھابي الذي رفع شعارات تنتمي للإسلام، فعملت الریاض وأبو ظبي على كشف حقیقتھ والتأكید على أن ھؤلاء لا یمثلون الإسلام. وقد شاركت كل من المملكة والامارات في تأسیس التحالف الدولي لمكافحة الإرھاب، وترأست السعودیة إنشاء التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرھاب وكانت الإمارت من أولى الدول الحاضرة فیھ، كما أنشأت السعودیة مركز مكافحة الفكر المتطرف »اعتدال« في 2017، ودعمت الدولتان جھود مكافحة الإرھاب في الساحل الأفریقي، فیما ت َّوجت عاصفة الحزم التكامل السعودي الإماراتي لدعم
الشرعیة في الیمن.
• استعرض المحاضر في ختام المحاضرة وصیة مؤسس دولة الإمارات العربیة المتحدة الشیخ زاید بن سلطان آل نھیان رحمھ الله لأبنائھ، والتي قال لھم فیھا “إن السعودیة ھي عزوتكم إذا جار الزمان "، وعلق علیھا وزیر الدولة الإماراتي
للشؤون الخارجیة الدكتور أنور قرقاش عبر »تویتر« قائلاً: »ھي قناعات راسخة تتجدد وتتعزز.
و في ختام مقالي ھذا ، لا بد من توجیھ الشكر لسعادة المدیر العام لمركز الامارات للدراسات و البحوث الاستراتیجیة الاستاذ الدكتور جمال سند السویدي على ھذه المبادرة باستضافة السفراء المعتمدین في دولة الامارات لتناول العلاقات الثنائیة ، وان تصبح ھذه المبادرة سنة حسنة لأصحاب السعادة السفراء المعتمدین في دولة الامارات العربیة المتحدة بتناول العلاقات الثنائیة مع دولة الامارات و ان یكون ھناك نقاش مثري حول المسائل ذات الاھتمام المشترك ، فدور السفراء لا ینحصر على المناسبات البروتوكولیة و لكن علیھم واجب بتعزیز العلاقات مع بلدانھم ووضع الدبلوماسیة الشعبیة بتطور ھذه العلاقات في مجمل جوانبھا .
وھذه دعوة لیكون دور رائد للسفراء وخاصة السفراء من الدول الشقیة والصدیقة في تعزیز العلاقات الثنائیة مع دولة الامارات، وان تكون العلاقة السعودیة الاماراتیة نموذجا ً یحتذي لكافة الدول العربیة الشقیقة.