كلمنصو وفيصل الأول ومئوية فرساي
د.مهند مبيضين
02-08-2019 01:43 AM
مرت ذكرى مئوية مؤتمر فرساي أو مؤتمر الصلح، الذي انطلقت أعماله لانهاء وتصفية الحرب العالمية الأولى في 18 كانون الثاني 1919 دون أي نشاط اكاديمي اردني حول الذكرى.
مخرجات المؤتمر كانت خمس معاهدات مع الدول المنهزمة، واشهرها معاهدة فرساي التي وقعت في قصر فرساي مع ألمانيا رأس الحربة في فريق المنهزمين في 28 حزيران 1919، وقاد المؤتمر قادة الدول المنتصرة: الرئيس الأمريكي ويلسون، ورئيس المجلس الفرنسي الطبيب جورج كليمنصو، ورئيس الوزراء البريطاني لويد جورج، ورئيس الوزراء الإيطالي فيتوريو أورلاندو.
مثلّ فيصل بن الحسين العرب في المؤتمر، وبرغم تباعد مواقف الدول المنتصرة في المؤتمر خاصة الفرنسيين الذين طالبوا بادانة مادية ومعنوية، للحرب وتكبيد ألمانيا التعويضات مع إدانة مادية ومعنوية لها، إلا أن الأنجليز كانوا يرون ضرورة الحفاظ على المانيا القوية لتكون درعاً ضد البلاشفة الروس، ولا غرابة أن يكون موقف الامريكان أقل حدة؛ لكون التدخل الأمريكي لم يكن قد بدأ بشكل كبير في المنطقة.
الرئيس الفرنسي كلمنصو افتتح المؤتمر مؤكداً على أن شن حرب اسهل من إقامة سلام، فيما شدد الرئيس الأمركيي ويدرو ويلسون على النقاط 14 الشهيرة ومنها حق الشعوب في تقرير المصير، وكانت ألمانيا الطرف الاكثر تضرراً، حيث فُرضت عليها شروط قاسية. وقد وصف مستشار الرايخ الألماني فيليب شايدمان(1875-1939م) المعاهدة المذلة بأنها وضعت اغلالاً على مقدرات المانيا، وسخرت كل مقدرات البلاد للغرب المنتصر.
وبحدود العام 1921 كان على المانيا بعد مفاوضات شاقة ان تدفع اكثر من 36 مليار مارك الماني، ولكن الازمة المالية العالمية 1932 ستقود إلى وقف الدفع، فتدخل ألمانيا زمناً جديداً رافضاً للخضوع وتصعد النازية بشكل كبير وتنتهي قصة التعويضات مع الهتلرية النازية التي بدأت حملة تسليح كبيرة كانت معاهدة فرساي قيدتها وبذرت بذور حرب عالمية ثانية.
في 29 كانون الثاني، قدّم فيصل بن الحسين مذكرته لمؤتمر الصلح، مطالباً بحق الشعوب بتقرير مصيرها، ومشيرا لمبادئ الرئيس ويلسون، وشدد على أنه جاء للمؤتمر ممثلاً لوالده شريف مكة، وطالب بحدود الدولة العربية المستقلة في آسيا العربية، واستثنى عدن كمحمية بريطانية واكد على سيادة دولة الحجاز المستقلة.
لاحقاً ستكون مطالب فيصل هي سقف التسوية للمنطقة، وهي الوثيقة الأساس التي سيعتمد عليها الغرب في انشاء الكيانات العربية الجديدة، لكن فيصل سيكون أكثر العرب خسارة، وهي خسارة بعد فرض انتداب فرنسا على سوريا، بيد أنها ستدفعه للذهاب إلى برطانيا مجدداً ومقابلة لويد جورج ومن ثم تشرشل للدخول في حالة جديدة من التفاوض لأجل القضية العربية.
وصلت لمؤتمر فرساي مذكرات من أهالي شرقي الاردن، ومن فلسطين تندد بهجرة اليهود لفلسطين، لكن الغرب المنتصر لم يأبه بكل ذلك، وفرض واقعا مُراً وجديداً، وما زال يرعى هذا الواقع الذي كان اقبح ما فيه تمكين دولة الاحتلال من الولادة والبقاء.
جلس فيصل كأول زعيم عربي مع كبار المنتصرين، فكان يرى نفسه في صف الكبار، الذين وعدوا والده بالاستقلال وبملكية عربية مستقلة، لكنها وعود تنكر لها الغرب، وكان على فيصل ومن ثمّ عبدالله الأول الابقاء عليها في العراق والاردن، لتستقر الفكرة لدولة الشرق العربي في الأردن التي ورثها، لعاملين: نزعة أهاليه العروبية، وقيادته الهاشيمة التي ادركت أنّ الأردنيين أكثر عروبة وقومية من غيرهم، وسجل الدولة وادارتها ونخبها في النصف الأول من القرن العشرين دليل حاسم على ذلك
الدستور