عندما نقوم بتحليل ظاهرة ما تتعلق بالعمل المؤسسي وتطوير الأداء في القطاع العام فإننا في الغالب نقع في مجموعة من الاخطاء القائمة على افتراضات مسبقة حول طبيعة العمل المؤسسي والقدرة على تحقيق الانجاز، هذه الافتراضات الخاطئة تسبب مزيجا من الاحباط وتضاؤل الثقة في السياسات العامة .
اولى الافتراضات الخاطئة لدى الاعلان عن توجه او سياسة عامة ترغب الحكومة في تنفيذها، هي أن الطاقات الموجودة في القطاع العام والكوادر الموجودة قادرة على تنفيذ تلك السياسات، فعلى سبيل المثال حينما تعلن الحكومة انها تتبنى موازنة موجهة بالنتائج، فإن الافتراض هو ان وزارة المالية لديها ما يكفي من الموارد والطاقات لكي تقوم بالتنفيذ، والحاصل ان هذا الموضوع لا يتعدى كونه شعارا لأن التنفيذ يتطلب قدرات في كافة مستويات القرار وفي مختلف المؤسسات، وهي ببساطة ليست موجودة لا تقنيا ولا فنيا بما يسمح بالتحول المرغوب، فنستمر في ترديد الشعار، ولكن المضمون الحقيقي لا ينفذ.
الافتراض الثاني، هو ان مجرد اعلان السياسة العامة مثلا حول تحديد رحلة المستثمر، هو قرار اتخذ ويجب تطبيقه على كافة المستويات، وهناك رغبة في التنفيذ، وهناك خريطة طريق، والاشخاص المؤهلون سوف يؤمنون “عبور المستثمر” بالشكل اللائق وسوف ينزل القرار من اعلى المستوى الإداري الى ادناه بكل وضوح وشفافية، ومن لا يلتزم التنفيذ سوف يتم تحييده على اقل تقدير لكي لا يعيق مسيرة التحول. هذا الافتراض يتجاهل الفجوات الموجودة والتي حذر منها اكثر من تقرير حول الاردن والتي تتحدث عن مستويات مقبولة في اعلى الهرم الاداري لا يماثلها مستوى مشابه في المستويات الادارية المختلفة والتي تحتاج الى استثمار وتواصل دائم معها، مما يفرغ السياسات العامة من مضمونها العملي.
الافتراض الثالث، هو اننا حسمنا هوية الاقتصاد الاردني، فهو اقتصاد خدمي يعمل على تعزيز الميزة التنافسية في بعض القطاعات مثل الخدمات المالية، السياحة، التعليم وبعض الخدمات الهندسية والاستشارية الميسرة للأعمال، والاردن بوابة العبور للجوار العربي وهو مفتوح لاستقطاب الاستثمار، والوصف السابق يمكن ان نستمع اليه وبشكل دائم من كافة المسؤولين، لكن التطبيق العملي لا يذهب بهذا الاتجاه، فموضوع القطاعات ذات الأولوية والتي يجب ان تحظى بمزيد من الاهتمام وبناء عناقيد حولها ليس موضوعا محسوما، وهناك مراوحة في نفس المكان وتردد اعتقدنا أن التحضير لمؤتمر لندن حسمه، لكن الواقع يشي بغير ذلك.
هذه افتراضات اساسية، ويجب الا نتوقع تغييرا في النتائج، مهما رددنا من شعارات، والافق الاقتصادي بات واضحا حتى ضمن توقعات صندوق النقد الدولي في ظل المعطيات السائدة، وإذا كان للنمو ان يتحقق وأن يتم ضخ روح جديدة في الاقتصاد فيجب اسقاط هذه الافتراضات والعمل على تقييم الواقع بشكل عملي، فالنوايا الحسنة وحدها لن تساهم بالقفزة التي نرغب لتحقيق النمو.
الغد.