يأتي التشريع دائما لإشباع حاجة لدى الأفراد بلغت مبلغا يتوجب على المشرع التدخل لإشباعها ، وحيث أن إشباع تلك الحاجات يتطلب الديمومة والاستقرار ، فلا بد أن ينصاع المشرع لذلك المتطلب وبالتالي يكف عن التعديل والتغيير الا في الحدود الضيقة التي تستدعيها الحاجة للتغير والتعديل .
وما نراه اليوم من تعديل وتغير في المنظومة القانونية الناظمة لحاجات المجتمع ينبأ عن خلل واضح وبيّن يتمثل في عدم ادراك للمهمة المناطة بالمشرع من ناحية والفلسفة التي ابتغاها من وراء سن أي تشريع من ناحية أخرى .
فالتشريعات يتولد عنها مراكز قانونية أكسبت أصحابها حقوقا مكتسبة ، تتناقض وطبيعة التعديل والتغيير السريع غير المبني على دراسات وتغذية راجعة بعد التطبيق .
ولا أدل على ذلك الا الدفع بقوانين لمجلس النواب لتعديلها بعد مضي أقل من سنة على سريانها ، كقانون التعليم العالي كمثال لا على سبيل الحصر .
والأخطر من ذلك أن الأسباب الموجبة للتعديل عادة ما تأتي على شكل امنيات ومنبثقة عن عواطف لا على دراسات وتغذية راجعة كما أسلفنا . وهذا بالطبع يولد لنا تشريع سنصبح بحاجة لتعديله بمجرد زوال الأحداث التي ولدت الحاجة لتعديله أو تغييره ، ويؤكد لنا من زاوية أخرى تهاتر الأسباب الموجبة لولادته إبتداءً .
وحيث أن الأبجديات التشريعية تفترض إبتداءً أن المشرع قد انتبه الى العوارض التي قد تنتاب التطبيق ، فجعل هناك أنظمة تصدر بموجب التشريع تساهم لحد ما بإعطاء التطبيق مرونه وحيوية .
ولما تقدم فأننا نرى أن يوجه المشرع بوصلته باتجاه التعديل والتغير المتعلق بالأنظمة وما يتبعها من تعليمات وأن يترك القوانين تتمتع بعذريتها بعيدا عن التعديل والتغيير الذي قد يضعف من قداستها .