منع حبس المدين يفتح الباب للفوضى
د. محمود عبابنة
31-07-2019 02:26 PM
تنشغل الساحة القانونية والاجتماعية في مناقشة موضوع عدالة حبس المدين المحكوم بمبلغ من المال ضمانا لحق الدائن الذي بعد صبر وجهد طويل حصل على حكم من القضاء العادل يثبت حقه بما يدعي به، حيث يستعد الى مرحلة جديدة وهي مرحلة تنفيذ الحكم تمهيدا للتحصيل من المدين الممتنع عن اداء الحق المالي والمرحلة الأخيرة كما هي المرحلة الأولى ترتب على الدائن صاحب الحق دفع الرسوم عند إقامة الدعوى، ثم الدفع مرة أخرى عند طرح الحكم في دائرة التنفيذ وقد رسم القانون بالمادة 22 من قانون التنفيذ طريقاً لتنفيذ الحكم تتلخص بإعذار المدين للدفع واعطائه مهلة للدفع او تقديم تسوية بعد دفع الربع القانوني من المبلغ واذا لم تنجح التسوية يقوم رئيس التنفيذ بالاستماع لأقوال الطرفين والتثبت من اقتدار المدين على دفع المبلغ فان لم تنجح جميع هذه المسائل يصار الى حبسه مدة لا تتجاوز 90 يوما.
ان المتفحص لما يقوم به الدائن من إجراءات امام قاضي الموضوع ثم بعد ذلك امام قاضي التنفيذ وما يتبع ذلك من تكاليف مادية تتلخص بالرسوم واتعاب المحامين بالإضافة الى مرور الشهور او السنوات سيصل حتماً الى ان المدين استنفذ جميع الفرص لأداء الحق الواجب عليه ولم يبقَ عليه الا ان يمتنع عن الدفع مناكفةً وعناداً لتسود عبارة "اعلى ما بخيلك اركب" التي ستوجه الى كل من يقرر ان يلجأ الى القضاء للمطالبة بدين او حق مالي.
ومن هنا فان الحملة التي يقودها المتحمسين لهذه الفكرة وبعض مؤسسات المجتمع المدني وتعززت بتوقيع اكثر من 100 نائب بحاجة الى تروي والى إعادة تقييم والاستناد الى مواثيق حقوق الانسان لا تبرر مخالفة النظام العام، كما ان كثيرا من المواثيق الدولية لم تعرض على مجلس الامة هذا من جهة ومن جهة أخرى فان ما يطبق لدى كثير من الدول لا يصح ولا يمكن تطبيقه في بيئات اجتماعية وقانونية ومالية تختلف عن ما هو سائد ومعمول به في بلدنا ففي بريطانيا او فرنسا مثلا عندما يعجز المدين عن أداء الدين فهناك الاف المؤسسات الحكومية والخاصة والخيرية التي تتولى أداء الدين اما من قيمة الضمان الاجتماعي المخصص له او المساعدات الاجتماعية وهي دول غنية تستطيع ان تتكفل بذلك، بالإضافة الى ما تقوم به شركات تامين الديون والجمعيات الخيرية ناهيك عن ما يلحق بالدائن الممتنع من عقبات عند الاقتراض وابرام العقود والعمل
نحن مع حصر حبس المدين وتقليل إمكانية حبسه الى اقصى حد ممكن وقد نادينا مرة في مناقشة على احدى المحطات بعدم حبس المدين الذي يزيد عمره عن 60 عاما مثلا... وكذلك تقليل مدة الحبس السنوية على الدين من 90 الى 45 يوما وفي ذلك فائدة على الدولة لخفض ميزانيات السجون التي تغص "بالغارمين"، كما نادينا بان لا يتم حبس المدين اذا احتصل على تقرير طبي من مرجعية طبية ذات مصداقية بانه يعاني من امراض خطيرة وبحاجة الى عناية صحية وكذلك عدم حبس المدين اذا كان المعيل الوحيد لعائلته او اذا كان وحيد امه وابيه.
هناك الكثير لنقوم به والتخلص من سلبيات حبس المدين ولكن لا يمكن ان نقبل بإلغاء هذا المبدأ وان كان يغيضا الا انه يبقى مشروعا وحلالاً وبعكس ذلك فإننا سنساعد على خلق مهنة خطيرة وجديدة تتمثل بمقاولين من الدرجة الأولى والثانية لتحصيل الديون وهؤلاء المقاولين سيكونوا مدججين بالسلاح والهراوات وربما الأسلحة النارية لتهديد وملاحقة الدائنين المعسرين مقابل نسب مئوية من المبالغ المحصلة لا تزيد كثيرا عن ما كان يدفعه الدائن كرسوم للمحاكم ودوائر التنفيذ.