أصبح واضحا ان حملات الضغط الشعبي التي تنظمھا ھیئات ومؤسسات وناشطون اجتماعیون وسیاسیون حول قضایا مختلفة باتت تعطي أكلھا وتؤثر بشكل او بآخر على الرأي العام بدایة، وعلى المشرعین في غرفتي التشریع (النواب والاعیان) ولیس علیھم فقط، وإنما باتت تؤثر ایضا على بعض افراد السلطة التنفیذیة.
فالتعدیلات التي جاءت بھا الحكومة على قانون الجامعات والتعلیم العالي مثلا شھدت حملة تحشید من قبل (ذبحتونا) وكان ھدف الحملة تعدیل بعض المواد في مشروع القانون، وقد نجحت الحملة في مسعاھا ذاك وعدل النواب ما تم التنویھ الیھ، كما ان حملة (فیسبوكیة) حول عدم حبس المدین نتج عنھا توقیع 100 نائب على عریضة تتبنى ذلك، وفِي السیاق فإن حملة شعبیة لرفض بعض التعدیلات التي ارسلتھا الحكومة على مشروع قانون المواصفات والمقاییس دفع الحكومة لتوضیح الامر اكثر من مرة، وجھدت الحكومة لتوضیح أھداف التعدیل ومرامیھ وغایاتھ،
یضاف الى ذاك حملات اخرى حول قضایا معینة بات واضحا ان المشرعین یتأثرون بھا.
ذاك في سیاق مفھوم العمل العام والسیاسي تطور ایجابي، ویؤسس بالفعل لدولة حضاریة یتأثر فیھا المشرعون بحملات الضغط ویتعاملون معھا سواء من خلال متابعتھا وتفحص ومعرفة ما تؤشر الیھ، وھذا یعني ایضا اننا بتنا نعرف الطریق الصحیح لكیفیة بناء دولة المؤسسات والقانون والحریات، والرأي والرأي الآخر، لبنة لبنة، ولعل تأثر السلطات بحملات الضغط تلك تعبیر صریح عن التطور الایجابي للمشرعین نوابا وأعیان، والحكومة ایضا، ومن شأن
استمرارھا، وفتح باب التعامل مع القائمین علیھا بالحوار وتبادل وجھات النظر، والاستماع لما یقولون، وتبني موقفھم في حال تم الاقتناع بھ ان یؤسس لعلاقة مختلفة مع تبادل وجھات النظر، وھذا الشكل من التعاطي لا یضیر النواب ولا الاعیان ولا الحكومات، وإنما یؤسس لفكر حواري مختلف یقوم على الاستماع لكل الآراء، سواء اختلف البعض معھا او اتفق.
وھنا نستذكر الوقت القریب عندما نظمت حملات ضغط اثمرت موقفا شعبیا ونیابیا رافضا ابرزھا كان حملة (غاز العدو احتلال) والتي أخذت على عاتقھا كشف مخاطر شراء غاز من الكیان الصھیوني وأثره على الاقتصاد الوطني، ومدى شرعیة شراء غاز مسروق من أراض محتلة، كما نستحضر في ھذا المقام حملة (ذبحتونا) والتي أخذت على عاتقھا كشف مشاكل التعلیم في كل مراحلھ، والتي نجحت في تغییر بعض المواد في قوانین التعلیم وما تزال تعمل على تحقیق رؤیتھا في جوانب مختلفة مثل القبول الجامعي والموازي والمناھج وغیرھا.
التطور الایجابي المنظور ھو ان یبدأ المشرعون بالتعامل مع جماعات الضغط برحابة صدر، فیما نلاحظ ان بعض التنفیذیین (حكومیین) ولا نقول كلھم یتعاملون مع حملات الضغط من منطلق الاتھامیة، وھمھم رفض ما یقولونھ دون عناء الاستماع لھم، ونرى حملات الرفض والنفي تتسع احیانا حتى تصل لحد محاربة القائمین على تلك الحملات.
نشعر بطمأنینة ونحن نرى جماعات الضغط والحملات التي یقومون بھا تعطي أكلھا، وتؤثر
على اصحاب القرار، وھذا یدفعنا لمخاطبة اولئك الذین تضیق صدورھم عن الاستماع للراي الآخر والإنصات لھ ، ومھاجمة صاحبھ، فذاك إن دل على شيء فانھ یدل على رفض للرأي الآخر، وابتعاد عن بناء الدولة الحدیثة المدنیة التي تعتمد المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص، ورفض الواسطة والمحسوبیة واحترام الرأي والرأي الآخر، ولمثل اولئك الذین یضیق صدرھم عن النقد وتعبس وجوھھم غن قال لھم أحد كلا، لأولئك نقول دعونا نبني فكرتنا الجمیلة بعیدا
عن نرجسیتكم، بعیدا عن عنادكم وتشبثكم برأیكم، دعونا نعزز ثقافة الحوار، وان یستمع بعضنا لبعض .
الغد