الصحافة والصحفيون إلى التاريخ مع الاحترام والتقدير
ابراهيم غرايبة
31-07-2019 02:31 AM
الصحافة التقليدية بكل أشكالها الورقية والتلفزيونية والإذاعية تلعب في الوقت الضائع، ويبدو مرجحا أنها تمضي إلى الفناء، ويحلّ مكانها الإعلام التواصلي، وبطبيعة الحال فإن الصحفيين التقليديين (مراسلين ومحررين وكتابا ومذيعين ومنتجين) سوف يختفون من فضاء العمل، سوف تختفي المهنة من سوق العمل، ويحل مكانهم المدونون، وهؤلاء وإن كانوا يحتاجون إلى المهارات الصحفية نفسها التي يفترض أن يمتلكها الصحفيون التقليديون؛ لن يكونوا إلا بنسبة ضئيلة من الصحفيين العاملين في الإعلام التقليدي، لكنهم على الأغلب من الشباب والمدونين الذين جاؤوا إلى شبكات التواصل من غير خلفية أو تجربة تقليدية، وهكذا سوف تختفي أعمال ومؤسسات وتظهر أخرى جديدة.
ظهرت الصحافة مصاحبة للصناعة والطباعة والدولة المركزية، ولم يعد في مقدور هذه المؤسسات مواصلة رسالتها بالأدوات التي أنشأتها مرحلة هي تنحسر أيضا وإن استقرت وترسخت عبر عقود طويلة، فالسلطات السياسية لا تملك الموارد لمواصلة الإنفاق على أعمال ومؤسسات لم تعد تحتاج إليها، في الوقت الذي ترزح في مواجهة أعمال وتحديات جديدة تحتاج أيضا إلى موارد وجهود، وسوف تجده أمرا حيويا وديناميكيا أن تستغنى عن الصحافة والصحفيين لتركز مواردها واعمالها المتناقصة على التواصل من خلال الشبكات التفاعلية؛ إذ لا يمكن الاستمرار في الإنفاق على مؤسسات وأعمال فقدت المعنى والجدوى.
بالطبع سوف تعمل المؤسسات الحكومية والتجارية والمجتمعية في استيعاب الصحفيين في الأعمال والمؤسسات البديلة، مثل التدوين والتواصل والتفاعل مع الجمهور والمواطنين، لكن ذلك يعتمد على قدرة الصحفيين على التحول والتكيف، سواء في طبيعة العمل ومحتواه وفي الأجور والمكافآت التي تختلف أيضا في نظامها وسياساتها، ومؤكد أن نسبة كبرى من الصحفيين لن تستطيع ذلك، ولن تتحمل أيضا بيئة وأنظمة عمل جديدة ومختلفة.
وبالتأمل في تاريخ الأعمال وتحولاتها يمكن الملاحظة أن كثيرا من الأعمال تختفي ولا تتطور، وأن كثيرا من العاملين والوظائف والمهن تنقرض ولا تتطور أو تتحول، لم يتحول معلمو الكتاتيب إلى معلمي مدارس، ولم يتحول كتبة العرائض والرسائل إلى صحفيين، ولم يتحول المشتغلون بالطب العربي إلى أطباء في المستشفيات والعيادات، ولم يشتغل العاملون في صيانة بوابير الكاز والأجهزة المنقرضة إلى صيانة الحواسيب، ولم يتحول العاملون في أنظمة البناء السابقة إلى مهندسين أو فنيين في البناء الحديث، ولا تحولت البقالات الصغيرة إلى مولات، ولا المخاتير إلى نواب،.. ولا المرابون إلا قليلا منهم إلى بنوك.
يظهر تاريخ التحولات الاقتصادية والاجتماعية انحسار طبقات ومجيء طبقات بديلة، وبطبيعة الحال يجري الاستبدال في الأعمال والمهن والقيادات والرواد، ولم يكن على الدوام ثمة ما يمكن فعله في مواجهة التحولات سوى التكيف الطبيعي والاستجابة الصحيحة، ليس أمام العاملين والمؤسسات سوى إعادة التأهيل والتدريب واكتساب المهارات والقيم الجديدة للأعمال الناشئة.
وهنا ينشأ سؤال منطقي وتلقائي؛ ما الأعمال والمهارات والمؤسسات القادمة؟ وبرغم أهمية السؤال وضرورته ليست ثمة إجابة واضحة وصحيحة، ثمة وضوح في التحديات والأزمات، لكن لم يتشكل بعد بوضوح ومؤسسية عالم بديل، فالمرحلة القائمة انتقالية فوضوية مرتبكة، تطحن المؤسسات القائمة جميعها بلا استثناء، ولا تنشئ بديلا، فالأعمال والآفاق الجديدة تحتاج إلى زمن لتنضج وتترسخ، وكذا المعارف والمهارات والقيادات، .. ولذلك يزدهر اليوم كثير من الأفكار والمبادرات، يغلب عليها الشعوذة والتهريج، ففي الفوضى يتقدم الفهلوية والمتطرفون ومسوقو الأحلام والوعود الكبرى، ويغلب على أهل المعرفة والحكمة عدم اليقين، وبالطبع فإن الزائف المؤكد او الواثق بنفسه ووعوده يغلب عدم اليقين المتردد حتى لو كان صادرا عن حكمة ومعرفة متقدمة! وربما لن يظل من الإعلام التقليدي سوى الحكمة القائلة “الانطباع أهم من الحقيقة”.
الغد