في الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، ودول أخرى، مشكلة كبرى، تتعلق بديون طلبة الجامعات، التي تقدر بعشرات مليارات الدولارات.
كل طالب أميركي أو بريطاني، يضطر أن يستدين رسوم جامعته، عبر مؤسسات، واغلب الطلبة يتخرجون وقد حمل كل واحد منهم، دينا يصل إلى عشرات آلاف الدولارات، ويبدأ بالسداد اذا حصل على عمل، وهذا الملف مثلا، احد ابرز الملفات في الانتخابات الأميركية، لكن لا شيء يتغير، فالطالب مدين، والوظائف لا تكفي، وسنوات طويلة تمر، قبل الخلاص من الدين، وهمومه، وربما فوائده، واقساطه في هذه الدول.
نحن نتحدث هنا عن دول عظمى، ولا نجري مقارنات فعلية، مع بلد مثل الأردن، الذي باتت مشكلة طلابه، وكأنه دولة عظمى، إذ إن رسوم الجامعات الحكومية، على البرنامج العادي، أو التنافسي، ورسوم الجامعات الخاصة، التي تعتبرها كل هذه الجامعات، غير عادلة، مرتفعة جدا، و تتسبب بتدمير اجتماعي واقتصادي للعائلات، التي لا يجد اغلبها مالا، لدفع رسوم ابنائهم، خصوصا، إذا تنبهنا إلى متوسط دخل العائلات، ووجود اكثر من ابن أو ابنة، واغلبهم يتتابعون وراء بعضهم في الدخول إلى الجامعة.
لا يمكن أن يستمع احد إلى نداءات خفض الرسوم، بل ان نداءات عدم رفع الرسوم مجددا، لا يسمعها أحد، لأن الجامعات تتذمر من موازناتها، ومن كلف إدارة الجامعات، وتقول إن الرسوم غير عادلة، وتريد المزيد، وبرغم كل البرامج التي تم اختراعها مثل الموازين وغير ذلك، إلا أن مديونية الجامعات الحكومية كبيرة، والجامعات الخاصة، تعاني من قلة الاقبال جراء عدم توفر السيولة بين يدي المواطنين لتعليم ابنائهم، وهذه ظاهرة جديدة، أي التوقف عن تعليم الأبناء، بسبب قلة المال.
التعليم الجامعي في الأردن، يخضع لمعيار اجتماعي فقط، أي حاجة الانسان إلى شهادة جامعية، حتى لا ينظر المجتمع اليه بازدراء، هذا على الرغم من ان العائلة تكون قد استدانت أساسا، عشرات آلاف الدنانير من اجل تعليم ابن واحد، أو ابنة واحدة، فوق ان فرص العمل غائبة، والمفارقة ان رب العائلة ينفق عشرة آلاف دينار أو عشرين على تعليم ابن واحد، من اجل ان يتخرج ويجلس بلا عمل، أو يتم تشغيله واستغلاله بمائتي دينار، بذريعة عدم وجود الخبرة، وهو استغلال يتواصل حتى بعد الخبرة.
من الواضح ان المعيار الاجتماعي سوف يبقى قائما، وتعثر اغلب العائلات في تعليم ابنائها، سوف يتواصل، خصوصا، ان الغالبية معدلاتهم غير مرتفعة، وبالتالي فرصة حصولهم على منحة كلية أو جزئية، فرصة منخفضة، وبهذا المعنى سوف تتواصل المعاناة، وقد اشارت ارقام رسمية إلى ان سبعين بالمائة من العائلات الأردنية، لا تتمكن من تعليم اكثر من ابن واحد، فيما بقية الأبناء، يواجهون مشاكل كبرى في تمويل تعليمهم.
الازمة الكبرى هنا، ترتبط بوضع الجامعات المالي، وديونها، ووضع العائلات وعدم قدرتها على تعليم الأبناء، مقارنة بدخول هذه العائلات، وانجماد سوق العمل، محليا وعربيا، وهي ازمة تتعمق يوما بعد يوم، وتشتد بسبب المعيار الاجتماعي، الرافض للتغييرات بشأن طبيعة التعليم، والمهن، هذا فوق ان من حق الانسان التعلم، في كل الحالات.
لا نعرف ما هو الحل الجذري لهذا الملف، خصوصا ان لا احد يتدخل وليس ادل على ذلك، من ان عشرات الآلاف يدخلون الجامعات سنويا، لدراسة تخصصات لا مستقبل لها، لا في الأردن، ولا خارجه، فلا تعرف لماذا ينتحرون بهذه الطريقة، ولماذا لا تتدخل الدولة لوقف هذا الانتحار في الموارد الإنسانية والمالية، وهدر مئات الملايين سنويا، على تخصصات ميتة، بكل ما تعنيه الكلمة، في زمن يفيض فيه العالم بالخريجين؟!
ثم يبقى السؤال الأخطر، عن تنافسية التعليم في الأردن، وجودة الشهادات، ومعيار التنافسية، مقارنة بجامعات العالم العربي، والعالم، وسؤال التنافسية هو السؤال الواجب الإجابة عليه، حتى لا نبقى تحت وهم أننا الأوائل، برغم كل التغيرات التي نراها حولنا!
الغد