مع بدء العام الدراسي الجامعي وعلى وقع شعار ما زال التسجيل مستمراً الذي ترفعه جامعاتنا، يتبادر إلى الذهن سؤالٌ مفاده: هل أساتذة جامعاتنا الحكومية والخاصة هم من طبقة الباحثين، المفكرين، العلماء، وقادة الفكر؟ أم هم من طبقة معلمي المدارس الثانوية، الذين يعتمدون على التلقين والحفظ والتسميع لمواد مكرورة ومصورة في دوسيهات؟ هل هم من يعتمد عليهم في إعطاء المشورة واسداء النصيحة للمشكلات المستعصية في المجتمع في المجالات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية ... سيما وانهم كما هو مفهوم قادة فكر ومشاعل هداية! أم أنهم يقبعون داخل حيطان مكاتبهم ويكتفون بتغريدة على فيس بوك أو بالكتابة في مجلة أو صحيفة إلكترونية محدودة الأثر، أو الاعتماد على كتاب يؤلف أو بحث علمي لا يخدم الواقع المرير بشيء!
يقول المفكر السعودي الدكتور القصيبي: قابلت عبر السنين عدداً لا يستهان به من حملة الدكتوراه اللامعين وعدداً مماثلاً لا أزال حائراً لا أعرف كيف حصلوا على الدرجة!
سؤال: هل اختفى الأساتذة الكبار الذين من الممكن محاكاتهم والاستفادة من فكرهم والتتلمذ على أيديهم، وبات حضورهم مستعصياً في القضايا العامة والأزمات التي تهم مجتمعهم؟
هل انمحق المفكرون الذين يمكن أن يفرضوا أنفسهم ويشكلوا مدرسة تستطيع اتخاذ مواقف صريحة وواضحة تجاه مختلف القضايا والازمات التي يعاني منها المجتمع في وقتها وحينها؟
حقاً، شهادة الدكتوراه ليست دليلاً على قدرات ومواهب الأستاذ الجامعي، وأن الحصول على هذه الشهادة كما يقول القصيبي لا يدل على وجود قدرات ومواهب خاصة عند الشخص، وإنما يدل على أن هذا الشخص واصل مسيرة التلقي، متمتعاً بقدر من الجَلَد ومواصلة البحث فترة قد تطول وقد تقصر حصل بعدها على الشهادة التي لا تحمل دليلاً على الإبداع والموهبة، مبيناً أنه لا يوجد جامعة في العالم تدعي أن من مهامها تخريج المبدعين والمفكرين، وإنما الجامعات تقدم معارف في قوالب جاهزة ومكرورة للدراسين.. مما أدى إلى إلحاق الغبن بالمبدعين، وبأصحاب المهارات.
شهادة الدكتوراه كما يبدو أصبحت عادة تعودنا عليها في مجتمعنا، مطمع عند الكثيرين لاكتساب مجموعة من
الامتيازات المادية والمعنوية، أصبحت تعني وسيلة للحصول على وظيفة محترمة خارج السلم الإداري ومكانة اجتماعية مرموقة وشيء من تقدير الذات، بدلاً من أن تكون طريقاً للإبداع ومضاعفة الجهد.
شهادة الدكتوراه لا تعنى أن حاملها يمتاز عن غيره بالذكاء أو الفطنة أو النباهة فضلاً عن النبوغ أو العبقرية، انما تعني المصداقية والجدارة وتحقيق الذات وسعة الاطلاع والخبرة المعرفية والتجارب المتنوعة!
ليس كل من حصل على شهادة الدكتوراه لديه القدرة في إيصال المعلومة وإثباتها وتحريكها والنهوض بها وبالمجتمع فالشهادة لا تمنح الموهبة والقدرات الفكرية الخاصة كما هو معروف، هناك فئة من الناس لديهم شهادات متدنية ولكن لو وضعوا في أي مكان لوجدتهم أكثر جدارة من الكثير ممن علقوا شهادات الدكتوراه على الجدران وفرحوا بها واطمأنوا لها وركنوا الى بريقها ولمعانها، الذين منحتهم الشهادة فرصة أن يدعوهم الناس بلقب الدكتور وأن يضع أمام اسمه حرف الدال بحيث أصبح يتحدّث ويفتي ويدرّس داخل الصف دون مراقبة، ويفضّل القعود مع القاعدين عن اكتساب أي من المهارات الابداعية الضرورية!
بعض حملة الدكتوراه وبالذات المدرسين في الجامعات يعزلون أنفسهم عن المجتمع ومشاكله ولا يهمهم القضايا العامة ولا يستطيعون أن يخوضوا ميادين كثيرة في الحياة العامة تحتاج الى درايتهم حيث نجد الأقل منهم درجة علمية يخوضونها بامتياز وهم الأكثر ابداعاً منهم وتميزاً والأجدر على ترك بصمات في مسيرة المجتمع! نجد همّتهم لا ترتقي بهم لأن يكونوا رموزاً حقيقيين لهم جماهيرهم ذلك أنهم سعوا الى الشهادة يشتى الطرق، من أجل وظائف مشروطة بها ومن أجل مصالح مباشرة بعيدة عن نطاق المعرفة ومراكز البحوث، من أجل وظيفة تدر دخلا عاليا، سلطة وجاه ونفوذ ومناصب ومكاسب مادية ومعنوية، وبهذا تم تفريغ هذه الشهادة من مضمونها وأصبحت جواز سفر إلى الوجاهة والترقي في سلم المنافسات الماديّة والوظيفية ، ولأنها كذلك عمد كثيرون إلى الأساليب غير المشروعة للحصول عليها، من تزوير للشهادات، أو شرائها من جامعات وهمية، أو باستئجار من يساعد في أداء أهم مهامها لأنها أصبحت مغرية كالمال تماما وكما هناك لصوص مال، هناك لصوص شهادات، وهذه من تلك، وكلها تؤدي الدور نفسه في تدهور المجتمع.
Taasoleiman9@gmail.com