من بعد العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ لم يظهر في مصر مغني ينحاز للحرية والكرامة الانسانية في أعماله ويصعد نجمه عالياً ليحقق جماهيرية عربية واسعة مثل محمد منير، وهو الملقب في بلده بـ"الملك"...ملكاً قادما من أساطير النوبة لاينحاز الا للعدل والمحبة وكرامة البشر وحريتهم.
قدم محمد منير خلال مسيرته التي انطلقت منتصف سبعينيات القرن الفائت مجموعة من الأغاني التي تستحق أن توصف بالأغاني الثورية، لا بالمعنى السياسي -الذي اعتدنا عليه في نمط غنائي عرف بإسم "الغناء الملتزم"- بل بمعنى انساني مجرد، فأغانيه تحرض الناس على الحلم :
افتح شبابيك الحلم ..وافتح طريق لبكره
وتأتي كصرخة في وجه التطرف والظلامية:
علي صوتك في الغنى...لسه الأغاني ممكنة
ولا انهزام ولا انكسار
ولا خوف ..ولا حلم نابت في الخلا.
حتى في الأغاني العاطفية التي يخاطب فيها حبيبته ...يصرخ منير:
ياللي بحبك حرية..في العشق آه ولاشيء ممنوع
ابتعد فتى النوبة الأسمر عن الغناء الطربي التقليدي، وحقق ثورة حقيقية في مجال الغناء والموسيقى، حيث اشتبكت أغانيه مع هموم الناس ولامست أوجاعهم، وإرتقت بذائقتهم عبركلمات مميزة ذات صور شعرية لافته بعمقها وجمالياتها، ومن التراث النوبي والفلاحي المصري انتقى مغني الشعب أجملها وأعاد تقديمه للجمهور بلمسات لحنية معاصرة.
الفنان الذي يزور الأردن ويحيي فيه حفلات منذ أكثر من ثلاثة عقود تقريبا كان على موعد مع جمهوره الأردني في الحفل الختامي لمهرجان جرش الرابع والثلاثين، فأمتع الجمعور وأثار حماسته بمجموعة من أشهر أغانيه ومنها "أنا قلبي مساكن شعبية"، و"علي صوتك"، والليلة ياسمرا" وغيرها من الروائع ...فكانت فعاليات المهرجان بالفعل "ختامها مسكاً".