وجاء اليوم الذي يدخل فيه الولد الى الجامعة!
سليمان الطعاني
29-07-2019 07:06 PM
باتت أغلب العائلات في الأردن تتسول من أجل دفع رسوم أبنائها في الجامعة للحصول عن كرتونة بأي ثمن كان. وحين تسمع عن كلفة الساعة المعتمدة الواحدة في البرنامج العادي أو الموازي في الجامعات الحكومية، وثمن الساعة في الجامعات الخاصة، تُصاب بالذهول وتعرف أن هذا ضرب من الجنون.
لم يخطر ببال المواطن الأردني أن يوم نجاح ابنه في التوجيهي هو إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من المعاناة والشقاء تضاف على كاهله، لم يخبئ قرشه الأبيض لمثل هذا اليوم الأسود! لم تكتمل الفرحة، فرحة الأسرة بنجاح ابنها في التوجيهي، مرحلة جديدة من الشقاء بدأت، وحلقة جديدة من حلقات المعاناة حلّت ....
حيرة ووجوم بدل الفرحة والسعادة، فقد جاء اليوم الذي يدخل فيه (الولد) الى الجامعة... وأية جامعة.. وصفها أحدهم أنها (خراب بيت) مرحلة جديدة من حياة المواطن الأردني تكلّفه ما فوقه وما تحته، والجامعات تتنافس في (اسعارها) وكأننا في سوق شعبي لبيع الشهادات الجامعية، فهذه الجامعة تعطي خصماً مقداره كذا وهذه لا تعطي سوى كذا، وتلك يوجد فيها مرافق متطورة ومتنزهات وجلسات شاعرية وهادئة ودكاكين والمواطن بين هذا وذاك وتلك حائر وخائر القوى مستسلم!
الذي يحسب المبالغ المدفوعة على تعليم ابنه في الجامعات، ومصاريف دراسته وكتبه، طوال أربع سنوات عجاف، يصل الى أرقام بعشرات الاف الدنانير، والنتيجة أن يجلس الخريج أو الخريجة بلا عمل، وإذا حصل على وظيفة كانت براتب هزيل يغطي مواصلاته وطعامه وسجائره وموبايله فقط.
لا توجد في الدنيا دولة تفعل ذلك بالناس مثلما تفعله هذه الدولة بأبنائها، لان الدول تحمي قطاعين رئيسيين على الأقل للناس، العلاج والتعليم، وعندنا لا علاج ولا تعليم، ويراد للأردني أن يمد يده الى كل الجهات من أجل رسوم ابنه، فلا يتجاوب معه أحد، لان اليد باتت مقطوعة فجأة، والمسكنة شعار المرحلة.
وبعد، فإن الاهالي باتوا يعيشون في حالة قلق وخوف لم يسبق لها مثيل من نتائج القبولات الجامعية لهذه السنة بسبب الارتفاع الهائل في نتائج الثانوية العامة، الأمر الذي يجعل من معرفة نسب القبول للتخصصات الجامعية امراً أشبه في الضرب بالرمل. ناهيك عن تأثير ذلك أيضا على قبولات الموازي في الجامعات الرسمية والقبولات في الجامعات الخاصة التي ستشهد هي الأخرى اقبالا غير مسبوق .
المهم، أن الدراسة الجامعية باتت تجارة، وجامعاتنا تسعى مثل غيرها من الجامعات للربح أيضا ومضاعفة مداخيلها ولو كان ذلك على حساب الجودة والنوعية، ومخرجات العملية التعليمية باتت تشهد تراجعاً مدويا، والاموال التي يتم جمعها توضع في جيوب المساهمين، أو في مبانٍ فخمة وسيارات ومظاهر عنترية واحتفالية فارغة لا علاقة لها بالتعليم.
نزعة ربحية صرفة ونهب منظم لجيوب المواطنين تمارسه الجامعات عندنا وتوغل على حياة المواطن وحقه في التعليم داخل اسوار وطنه، في وقت رفعت فيه الدولة يديها عن أي دعم للتعليم الجامعي للأردنيين وتركتهم في الساحة نهباً لجشع وطمع الجامعات يعانون الأمرين والنتيجة في المحصلة النهائية خراب واضرار وتداعي لبنية الأسرة الأردنية التي باتت في مهب الريح!
كلف التعليم في الاردن يراد منها افقار الناس وتركيعهم وليس تغيير سياسات القبول في الجامعات ولا النهوض بجودة التعليم، فالملاحظ أنه كلما ارتفعت كلف التعليم عندنا يتهاوى مستوى العملية التعليمية وتضعف المخرجات تحت شعار ادفع قسطاً تنجح فصلاً! والذي يتابع يعرف أن أصحاب المعدلات المرتفعة في الثانوية العامة من فوق التسعين تتم مكافأتهم، أيضا بحرمانهم من أي منح كانوا يتوقعون الحصول عليها.
ووسط ذلك كله فإن الدولة عندنا لا تعير انتباهاً لما يحدث، فالمشكلة يبدو أنها تقع خارج دائرة اهتماماتها الرسمية، المهم أن تنسحب الدولة وترفع يدها تماماً عن كافة القطاعات ومنها التعليم، وتعيش بحبوحة كبيرة بعد الرفع الذي تقرره على الضرائب والرسوم والمحروقات والمياه والكهرباء والخبز والتعليم والعلاج والدواء وغيره. هذه هي وصفة الحكومة لدينا لتجاوز الأزمات!
Taasoleiman9@gmail.com