المجتمعات المتماسكة هي محصلة جهود يبذلها الأفراد للحفاظ على هويتهم. فيها القانون عادل ويطبق بالتساوي على الجميع. وهذا كلام واقعي لكنه مكرر لدرجة حفظه البعض عن ظهر قلب. لكن الحقيقة تكمن في الوحدة المجتمعية بالرغم من الظروف والتحديات. المجتمعات المتماسكة لا تعني أنها الخالية من المشاكل بل التي تواجه التحديات بعقلانية ومنطق وتستخدم أدوات العصر في التواصل لحل مشاكلها وعلى رأس هذه الأدوات الحوار كوسيلة لتقوية الروابط الاجتماعية. فبات الضرورة جعل الحوار ثقافة مجتمعية لان منه ينبع التسامح وقبول الآخر، هذه العوامل التي شكلت ولا تزال الإطار العام واللبنة الأساسية للديمقراطية المنشودة والعيش المشترك. فمن خلال الحوار تتفهم كل أطرف المجتمع المختلفة إحتياج الآخر وتحترم الاختلاف كمصدر قوة.
يسهل على المجتمعات المتماسكة مواجهة التحديات الداخلية بل وتخطيها وتشكل حائط صد قوي لمواجهة أي تهديد من الخارج. أما نواة كل المجتمعات ولبنتها الأساسية فهي الأسرة. التثقيف والتوعية على الحوار ما بين أفرادها أمرٌ ضروري وتصبح قوة إذا تزامن نشر مفهومها وأهميتها في المناهج التعليميةً بالإضافة إلى التوعية الإعلامية. الحوار الأسري لا يلغي هيبة ومكانة الوالدين بل يعززها لأنه يفرض على العائلة أن تجلس معاً وجهاً لوجه لدقائق تعتبر الأهم في حياة أفراد العائلة وتفتح المجال للتعارف عن طريق تبادل الاّراء على موضوع معين، أو سؤال أو أسئلة، بشرط وحدة الموضوع والهدف. فيتبادلان النقاش حول أمرٌ معين قد يصلان إلى نتيجة وقد لا يقنع أحدهما الآخر .. المهم هو الأستماع باحترام للرأي الآخر. جميعنا بحاجة إلى من يسمعنا ويهتم بأمرنا والحوار يلبي هذه الحاجة التي هي أيضاً تعبيرٌ عن المحبة والوئام الذي بتنا نفتقده في حياتنا العملية التي تحولت إلى برود عاطفي إلكتروني في غالب الأحيان. فالكلام بات أسهل من خلال شاشة الهواتف الذكية، والتعبير عن العاطفة تغير من كلمات إلى صور صغيرة منتشرة الاستعمال تعبر عن مشاعرنا (الايموجيز). الحوار يعيد إلى الحياة طعمها ويضيف لها رونق الرقي في الألفاظ والتعامل ويعطي مساحة من الحرية والثقة ويفتح المجال لتقبل الآخر رغم اختلافه معنا..... ويجعل منا مجتمعات متماسكة.
الكاتبة صحافية ومؤلفة كتاب حصن السلام
التجربة الاردنية في الحوار بين أتباع الاديان ونموذج العيش المشترك