الوعد الأردني ورهانات المستقبل
د. محمد أبو رمان
22-10-2009 06:02 AM
صدّرت مجلة السياسة الخارجية (فورين بوليسي) الأميركية الشهيرة غلافها الأخير بسؤال عن مستقبل النفط والبدائل المحتملة له في مجال الطاقة ودورها في اقتصاديات الدول والأمم.
وبرغم أنّ السعودية هي دولة نفطية من الطراز الأول، إلاّ أنّها أنشأت الشهر الماضي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وتجعل جزءاً كبيراً من نشاطها واهتماماتها في دراسة مصادر الطاقة البديلة والبحث العلمي والتطوير التقني.
ثمة منافسة عالمية محمومة اليوم للدخول إلى العصر النووي، الذي لم يعد حكراً على دول معينة. فوفقاً لإحصائيات عالمية هنالك خمسون دولة إما تمتلك الطاقة نووية أو تفكر في امتلاكها.
أردنياً، ثمة إرادة سياسية صارمة لدى مطبخ القرار في بناء البرنامج النووي، والاعتماد عليه مستقبلاً لتوفير الطاقة الكهربائية وفي تحلية المياه، ومجالات اقتصادية أخرى.
أول من أمس، كنّا بجولة مع رئيس هيئة الطاقة الذرية، د. خالد طوقان، الذي أعتقد أننا كسبناه في هذه المهمة الأردنية الحيوية، لزيارة منطقة سواقة حيث تجري الشركة الأردنية- الفرنسية للتعدين واستغلال اليورانيوم حفريات ودراسات لليورانيوم الموجود في المنطقة، بعد ثبوت توافره بكميات تجارية في مناطق الصحراء الأردنية (في الوسط والجنوب).
لسنا أمام مشروع وهمي للضحك على اللحى، ولا أمام وعود لاستثمارات خيالية، لم تأتِ بفرص عمل، ولم تحسّن حياة الشريحة الواسعة من الأردنيين. فتعدين اليورانيوم وبيعه وتخزينه، ومشروع بناء مفاعل نووي أردني سلمي بمثابة حلم يتحقق حالياً على أرض الواقع، ونقطع فيه المراحل بسرعة كبيرة.
المشروع النووي ليس خياراً، بل ضرورة وطنية حيوية ماسة لمواجهة التحديات الاستراتيجية الوجودية للأردن. فهذا المشروع سيكفل للأردن أن يكون مصدّراً للطاقة، لا مستورداً لها، بعد أن أرهقت فاتورة الطاقة الاقتصاد الوطني وجيوب المواطنين، إذ استورد الأردن خلال العام 2007 ما قيمته 3.2 بليون دولار، وفي النصف الثاني من العام 2008 ارتفعت الفاتورة النفطية بنسبة 132%، وتشي الارتفاعات الأخيرة على سعر النفط أننا أمام عبء كبير في العام المقبل.
في مجال المياه، الأردن من أفقر أربع دول في المياه، ويشكل سؤال المياه تحدياً وجودياً لنا في المستقبل القريب، أي بحلول العام 2030، فلم تعد مسألة ترف، إنّما خطر يدق الأبواب، فيما يمكن أن يوفر المشروع النووي مجالاً حيوياً ومهماً لتحلية المياه والإفادة من ذلك إقليمياً.
كم كانت سعادتنا كبيرة، ونحن نرى الشباب الأردنيين في مواقع العمل والحفريات، وهم يواصلون الليل بالنهار، وبشهادة مدير الشركة الفرنسية بكفاءتهم وجديتهم وتفانيهم، ما يؤكد ثقتنا أنّ الشباب الأردني، إن منح الفرص العادلة فهو عملة عربية نادرة، والاستثمار فيه وبتعليمه وتدريبه هو رهاننا المستقبلي الحقيقي.
لم يبالغ د. خالد طوقان عندما اقترب من وصف البرنامج النووي بالوعد الأردني، الذي يجب أن نمنحه كل الاهتمام. فنحن أمام مفتاح ذهبي للمستقبل في مجال الطاقة والمياه وبناء المستقبل من خلال خبرة أردنية يمكن أن تشكل أهم مصادر ثروتنا واقتصادنا مستقبلاً.
m.aburumman@alghad.jo