واحدة من قواعد النقد في عالم الشعر العربي تقول: «إن أعذب الشعر أكذبه»، أي كلما كان الشعر يحمل صوراً وتشبيهات خيالية أو غير واقعية لا تصدق كلما كان «عذبا» أي قريباً للقلب ويبعث في النفس راحة ونشوة، ولا يُعرف من هو الذي أطلق هذه القاعدة ولا من هو الذي رسخها في الحياة الأدبية للعرب، وما يجعلني أنحاز لهذه القاعدة والاعتقاد بصحتها هو القول الشهير للخليفة هارون الرشيد للشاعر الأصمعي حين قال له: (.. إن كنت صادقاً فقد أتيت عجباً، وإن كنت كاذباً فقد أتيتَ أدباً).
لا أريد الدخول في شرح الأبعاد النفسية والاجتماعية التاريخية للشخصية العربية وميلها «لتصديق الكذب أو الأكذوبة» للتعويض عن الإحباط المتراكم تاريخياً بداخلها، وما أود التركيز عليه هنا هو لماذا نحن أبناء هذا الزمن ما زلنا نصدق الكذب، أيا كانت صفة هذا الكذاب؟!
أعتقد أن السبب الأساسي هو «فقدان الثقة في الذات» وهو نتاج الفشل المتراكم منذ عهد الاستقلال العربي عن الاستعمار بألوانه الثلاثة «العثماني، والانجليزي والفرنسي» وأقصد هنا الفشل في بناء دولة عربية حديثة، وهو أمر ساهم بشكل كبير في دفع «الناس أو الجماهير العربية» المحبطة إلى تصديق من يرفعون الشعارات التي تلامس الخيال لدى المواطن العربي، واستطاع الشعار الكاذب أن «يملأ الفراغ»، كما استطاع مستخدمو هذا الشعار الكاذب ممارسة «الفجور» في الدفاع عن كذبهم.
كانت وما زالت فلسطين هي «أم القضايا» للعرب، وعلى مدى أكثر من سبعين عاماً استثمر سياسيون في دول عربية كبرى وصغرى بهذه القضية، أبشع أنواع الاستثمار للدرجة التى أفقدت القضية «قدسيتها» وأنتجت كذابين محترفين كل ما يمكن أن يصنعوه هو الحديث عن فلسطين وشعبها ومناصرتهما بالشعارات ذات السقوف العالية، فعلى مدى سنوات طويلة فائتة «دمر هؤلاء إسرائيل» وأبادوها آلاف المرات، وحرروا فلسطين «وأعادوها حرة عربية» عشرات المرات، والملفت أن هؤلاء السياسيين الذين اعتاشوا ويعتاشون على «المتاجرة بفلسطين وجراح شعبها ما زالوا يمارسون ذات اللعبة وذات الشعارات الأمر الذي يؤكد أنهم ما زالوا يحتفظون برصيد وافر من مدمني الكذب والوهم والخيال في الشارع العربي.
رحم الله الشاعر أبو الطيب المتنبي الذي قتله بيت من شعره وهو أحد أكذب أبيات الشعر في الأدب العربي والذي كان يتفاخر فيه بأدبه وفروسيته وهو البيت القائل (الخيل والليل والبيداء تعرفني.. والسيف والرمح والقرطاس والقلم).
الراي