إن العصر الذي نعيشه بظروفه ، و بسلبياته و إيجابياته، و بالحالة التي آل إليها الغرب و وصل إليها العرب ما هي إلا نتاج دراسات مبرمجة و ظفت الثقافة بمكوناتها من أجل السياسة التي بلورت الفكر الإستعماري و السيطرة والاستبداد .
بدأ الإستعمار ( الإمبريالية) في القرن الخامس عشر إذ احتلت بعض دول العالم دويلات صغيرة و استوطنتها من أجل أهداف اقتصادية و سياسية فكانت كالكر و الفر و تبادل للأدوار، بعد ذلك ظهرت الحركات السياسية و تنامت و بقي بعضها إلى يومنا هذا كالحركة الصهيونية التي احتلت العالم من خلال مراكز دراسات سياسية لتأسيس مستوطنات للمستعمرين في الدول التي استعمرتها.
رغم تداخل الثقافات وانفتاح العالم ثقافيا و اجتماعيا إلا أن الدول المستعمرة وظفت الثقافة لغايات سياسية و سيطرة متكاملة على دول كثيرة جعلتها دولا نامية بأنظمتها السياسية و شعوبها باتجاهاتها الفكرية، فأسست مراكز دراسات خاصة و مراكز بحث علمي جعلت من الكلمة خطة سياسية ، و من بيت الشعر خطة عسكرية ، ومن الروايات حالة استعمارية ، فلم تنكر الحرف و لا الكلمة فرتبت كل تفاصيل الثقافة من أجل السيطرة تدريجيا، و نحن العرب نرى في القاريء سخافة، و بالمثقف حماقة ، و تركنا الشعر و الرواية و القلم وسلطنا سيوف ألسنتنا على بعضنا و قوة أجسادنا نهاجم بها بعضنا.
تبنى الغرب الغزو السياسي و العسكري الذي تأسس على أرضية ثقافية ، رغم ان معظم النظريات العلمية و القواعد الأدبية صنعها العرب الذين كانوا من أوائل المثقفين والفلاسفة والحكماء إلا أن ثقافتهم استغلها الغرب لبناء حضارات لهم مقابل هدم حضاراتنا التي لم يعد منها سوى الفتات، سيطر الغرب على عقولنا بثقافة مجتزأة ، و ركزوا على نقاط ضعفنا و استغلوها و جعلونا أعداء بمكوناتنا ، و بفكرنا العروبي، ومشككين لضمائرنا ، كسروا كل المسلمات الدينية و الفكرية و العقائدية التي لدينا ، و جعلوا قلوبنا كالآبار التي تمتليء بالحقد على بني جلدتنا ، واستخدموا اعلامنا و فنوننا الذي لدينا و الكتب و الروايات ضدنا، حتى أفلام الكرتون شككت أنفسنا بأنفسنا ، فأصبحنا شعوبا هشة و منهكة ، تخاف العبد و تطيعه و تجهل العلم والأديان والإنسانية و تتمحور ثقافتنا حول ما صدره الغرب من آفات التي استخدمناها كسلاح ضد بعضنا ،. بنوا لنا تنظيمات و آمنا أن هذه التنظيمات نحن ، و بتنا نخجل من أنفسنا ، و نبرر أمام هذا العالم الكبير حتى اخترقونا في أدياننا و أخلاقنا.
لو مددنا جسرا لثقافاتنا لبنينا أوطاننا بدلا من السعي لخرابها بالخيانة و البيع و الشراء ، و لعظمت العقول واحتلت العالم و لكن العبودية والانصياع هما اللذان جردا العرب من كرامتهم و أصبحوا كالبلهاء يتلقنون و يطبقون دون العلم بمكنون الشيء و أساسه.