مركز العالم!
المحامي عبد اللطيف العواملة
28-07-2019 11:51 AM
تعيش دول حديثة وريثة حضارات خف وهجها و تقدمت عليها اخرى جديده حالة من التشبث بالماضي تختلط بالاساطير و تغلفها المؤامرات. تعاني من ذلك دول ذات حضارات قديمة كاليونان، و الهند، و الصين الى حد ما، و غيرها كثير. هي ايضا تسمي الهزيمة نكسة و الانحدار اعادة تموضع. عاشت اليابان و المانيا هذه الحالة بعد هزيمة الحرب العالمية الثانية و استطاعتا الخروج منها بسرعة استثنائية لا يقاس عليها.
فالعقل الجمعي يرفض قبول الهزيمة و يتقوقع حول نفسه لينسج اوهام مؤامرات تحاك في الظلام لحرمانه من مكانته الطبيعية عن استحقاق مفترض الا و هي المرتبة الاولى على كل صعيد. تعيش هذه المجتمعات المأزومة وهماً كبيراً مختصره انها مركز العالم من غير ان تدرك انها وبكل اسى تعيش على اطرافه. انه مرض نفسي اجتماعي ثقافي متغلل و خطير لا يتم الشفاء منه الا بمخاض عسير.
و حالنا بالمجمل كأمة عربية و اسلامية كغيرنا من الامم التي تعيش اليوم على الهامش، فتستهلك منتجات المعرفة و لا تصنعها. امة اقرأ لا تقرأ. الم يقل الشيخ المجدد محمد عبده عندما زار اوروبا "رأيت اسلاماً و لم ار مسلمين"؟ ما هو مشروعنا الحضاري الذي لا يتضمن اقصاء الاخر؟ هل حددنا معالمه؟ ما هي مساهماتنا الانسانية في العصر الحديث؟ هل تخلصنا من وهم السمو الاخلاقي؟ هل نحن مقتنعون باننا جزء من كل، الا و هي الانسانية جمعاء؟ ان تقمص دور الضحية التي يتآمر عليها العالم و ادعاء المظلومية بشكل مستمر، و ان كان لها بعض الوقائع و الاسانيد، لهو امر ذو عواقب وخيمة.
صحيح انه ليس من الحكمة ان ننكر الاطماع الدولية و لعبة الامم، و لكن من الرشد، و من الشجاعة، ان نبدأ من داخلنا. لقد تأخرنا كثيراً في هذه المهمة فالقادم اصعب. مراكز العالم المؤثرة متغيرة بشكل مستمر فهي تتنقل حول المجتمعات بحسب تطور المعرفة و الابداعات الانسانية. الحضارة العالمية متكاملة و متراكمة كحلقات في سلسلة يمتزج فيها البعد الثقافي و الاقتصادي مع الفلسفي، و العقائدي و المعرفي مع التكنولوجي. ليس هناك افضل او اكبر، او اول او اخير، فهو حراك انساني كوني ديناميكي لا يدرك ابعاده الا المتسامحون، و يساهم فيه فقط المتصالحون مع انفسهم و المنسجمون مع ذاتهم. التاريخ وحده لا يصنع الحضارة المستدامة. يلزمنا بعض التواضع و فيض من المعرفة.