يعجب الإنسان من حالة الانفلات الاجتماعي الذي وصلنا إليه؛ ونراه في مناسبات مختلفة كان آخرها نتائج التوجيهي! ففي الوقت الذي يتوقع منا المباركة، والفخر بأحد أبنائنا الذي حصل على الترتيب الأول على زملائه في المملكة بعلامة كاملة - قام كثيرون بجلده حسدا أو استخفافا!
الطالب أحمد عثمان متفوق سواء اتفقنا على وجود العلامة الكاملة أم لم نتفق، والطالب حاز على الترتيب الأول بعلامة كاملة أو شبه كاملة، فهنيئا له ولوالديه، وعلامات التوجيهي متضخمة عنده وعند غيره، فلماذا هذا الاستهداف له بشكل خاص؟! وهل كنا سنسمع الشيء نفسه لو كان المتفوق ابنا او ابنة لأحد هؤلاء المنتقدين...؟!
من لديه رأي في النتائج يمكنه طرحه على وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها دون المساس بكرامة الناس، ودون تنغيص فرحهم، فكثيرون تساءلوا عن سر تضخم العلامات؟ وعن آلية احتسابها؟ ومدى تأثير ذلك على القبولات الجامعية؟ وعلى الابتعاث او التقدم للوظائف مستقبلا، والظلم الذي قد يلحق طلبة سنوات سابقة اتسمت بانخفاض المعدلات.... وربما الأهم من ذلك كله التخطيط لمستقبل الأردن، وربط هذه النتائج مع التوظيف، فتضخم العلامات سيؤدي إلى حشد الطلبة في الجامعات، وقد يؤدي إلى إنقاذها ماليا، ولكن في المقابل له نتائج عكسية من تهديد لمستقبل الوطن بمزيد من الخريجين العاطلين عن العمل، وتهديد اجتماعي آخر إذ تستنزف أموال الأسر الفقيرة – غالبا- دون أن تعود عليها إلا بمزيد من الفقر والإحباط!
قلة هم الذين لجؤوا إلى النقد البناء، وكثر اختاروا الكشف عن وجه من الحسد والغيرة وصل عند بعضهم إلى الحقد على المتفوقين، مع سلوك مناقض مع المتفوقين من أقاربهم مسجلين مفارقة صارخة!
هذا كله يعيدنا إلى الحديث عن آلية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الإساءة إلى الناس، والأهم الكشف عن عورات أخلاقنا وبذاءة لساننا، وطبيعة معجمنا اللغوي، فنحن حينما نتحدث أمام الآخرين نختار ألفاظنا ومصطلحاتنا وأفكارنا كما نختار لباسنا وغيره من المظاهر المكشوفة، فنخرج بصورة المهذبين والمثقفين الأنيقين بحرص شديد، وقد نمثل ذلك، وننجح، فنقنع غيرنا بها، ونطيل الحديث عن انهيار منظومة القيم وأخلاق الناس، وتأثير ذلك على المجتمع، وننتقد الفساد بكل أشكاله، أما في وسائل التواصل الاجتماعي ومنها ( الفيس بوك ) فلعنا نكتب في عتمة الليل او في ظلمة النهار فنقنع أنفسنا بعدم وجود جمهور يرقبنا، فنترك العنان لأخلاقنا الحقيقية، وسجيتنا المنحرفة، فتظهر صورنا المشوهة اجتماعيا وأخلاقيا ولفظيا لاسيما أننا لا نجد من يوقفنا او يشعرنا بلسانه او بلغة جسده بهذا الانهيار المحتبس في نفوسنا أو حدود أسرنا ظنا منا أننا وحدنا على الفيس بوك كما نحن وحدنا أثناء الكتابة عليه.
لقد باتت وسائل التواصل الاجتماعي اليوم صورة مصغرة وعاكسة لبعض المجتمعات المنغلقة على نفسها، والمنفتحة على الآخرين بسلبياتها من تعصب عشائري، واتهامات مغرضة لأجل وعد بمقعد جامعي أو وظيفي (واسطة)، أو غير ذلك، فنرى ردحا كريها لا يليق بنا، وإطلاقا للعيارات النارية -على المجاز- في كل الاتجاهات يتبعها صلحات وعطوات متجاهلين الآية الكريمة التي نحفظها وقلما نطبقها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ .وقديما قال الشافعي رحمه الله:
إذا رمت أن تحيا سليماً من الردى * ودينك موفور وعِرْضُكَ صَيِنّ
لسانك لا تذكر به عورة امرئ * فكلك عورات وللناس ألسن
وعيناك إن أبدت إليك معايباً * فدعها وقل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى * ودافع ولكن بالتي هي أحسن.
ومما ورد عنه في بيان خطورة اللسان أيضاً ومن ثم القلم قوله:
احفظ لسانك أيها الإنسان * لا يلدغنك إنه ثعبــــــــــــــــــــــــــان
كم في المقابر من قتيل لسانه * كانت تهاب لقاءه الأقـــــــــــران
وأبلغ من ذلك قول الله تعالى: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم. رواه أحمد والترمذي وابن ماجة.
فهل نقول اليوم: لا تذكر عورات الناس على الفيس بوك، فكلك عورات وللناس فيس بوك أيضا، وهل نخلص، بل بتنا نسمع فعلا أقوالا مثل: كنا أفضل بكثير قبل وسائل التواصل الاجتماعي، فالأمية بها تليق بنا أكثر! والحق يقال أن لها فوائد جمة، وسوء استخدامها هو ذنبنا لا ذنبها، فهي كشفت عن مزيد من عللنا ليس غير.