امتحان الثانویة العامة كان كابوسا یھدد كل شاب وشابة وینال من نوعیة حیاة الاسر ومكانتھا وعلاقتھا بمحیطھا. النجاح كان یعني الكثیر للطالب والاسرة والمجتمع المحلي وھو بدایة النجاح المھني والاساس الذي سیقام علیھ بناء المستقبل المھني للشباب.
ما إن یرقى الطالب الى الثالث الثانوي حتى تدخل الاسر والطلبة بحالة من الطوارئ ویصبح الطالب محور اھتمام الاسر وحامل رغبات وطموحات وتوقعات افرادھا. على الطالب أن ینجز انجازا استثنائیا لیرضي طموحات الاب ویحقق احلام الام ویرفع من مكانة الاسرة والنظرة الاجتماعیة لھا فالأبناء الناجحون مصدر فخر الآباء ومشاریع للنھوض بالاسرة واوضاعھا وضمانة للأھل ضد العجز والفقر ویمكن ان یكمل التعلیم فیصبح طبیبا ناجحا او مھندسا ثریا ویمكن ان یتخذ مسارا آخر فیصبح ضابطا او موظفا متعلما.
في العقود الاخیرة تغیرت الكثیر من اتجاھات التعلیم وأثارت أوضاعھ الكثیر من الاسئلة والشكوك والاجتھادات. البعض یرى ان التعلیم قد انحدر الى الھاویة بسبب ضعف دافعیة الطلبة وانشغال المعلمین بمھن واعمال اخرى وعدم ملاءمة المناھج لحاجات الطلبة ومتطلبات السوق.
آخرون رأوا ان ضعف الثقة في الدولة ومؤسساتھا وتفشي الواسطة والمحسوبیة والفساد شجعت الطلبة على الغش من اجل تحصیل معدلات عالیة تمكنھم من دخول الجامعات.
محاولات اصلاح التعلیم تتذبذب تبعا لاجتھادات متضاربة تتراوح بین التشدد المفرط الذي یضاھي النھج الاسبارطي بحیث تتدخل قوى الامن الناعمة وغیر الناعمة والجھات الرقابیة للدولة في ادارة الامتحانات ویأتي عرض النتائج لبیان واثبات كم التقصیر الحاصل في المعارف والقدرات لتجري العودة عن ھذا النھج لحساب تقدیم تسھیلات بیئیة واداریة ولوجستیة مریحة للطلبة والاھالي.
ما بین النھج الاول والاسلوب الثاني تباین عمیق وجدل ساخن دون توفر شواھد على مستویات تحسن التحصیل وتطور البیئة التعلیمیة وزیادة مستویات الثقة وانعكاسات كل ذلك على علاقة الطلبة بالمدرسة والمنھاج والجامعة والمجتمع. الوصول الى نتائج حاسمة حول الاسلوب الانسب والاكثر فعالیة یحتاج الى مزید من الوقت والكثیر من الابحاث.
في حادثة ھي الاولى من نوعھا یحصل الطالب احمد یوسف عثمان على معدل 100 % في الامتحان الذي تقدم لھ اكثر من 130 الف طالب من اصل ما یزید على 165 الف طالب. المعدل الذي حاز علیھ الطالب اثار اعجاب البعض ودفع البعض للتندر او التساؤل حول الاسباب التي ادت الى ذلك.
تقاسم تسعة طلاب للموقع الثاني بحصول كل منھم على معدل 9.99 اثار فضول الباحثین والمراقبین والمعلقین ممن تساءلوا فیما اذا كانت الحالة تعكس تحسنا في مستوى التعلیم او تساھلا في ادارة الامتحان. ودفع بالبعض الى ابداء المخاوف من امكانیة تأثر سمعة التعلیم المدرسي الذي طالما تغنینا بجودتھ وحاولنا حمایة صورتھ.
ارضاء غرور الأھالي والسعي لدخول التخصصات المرغوبة في الجامعات كان وما یزال الدافع الاھم لنیل مجموع علامات مرتفع. في خمسینیات وستینیات القرن الماضي كان النجاح في الثانویة العامة كافیا لیصبح الخریج ضابطا او یدخل موظفا في القطاع العام.
حتى مطلع الستینیات لم یكن في الاردن جامعة فقد كان القلیل من الخریجین یسافرون الى الشام او بغداد وبیروت للالتحاق بالجامعات في حین یتوجھ البعض الآخر الى القاھرة و بعض الدول الاوروبیة وامیركا حیث التعلیم میسرا في حقول العلوم والاداب والطب والھندسة وغیرھا من التخصصات التقنیة.
اوائل الثانویة العامة یجري ایفادھم الى الجامعة الامیركیة في بیروت والعدید من ابناء الاسر الفلسطینیة المھاجرة تحصل على بعثات في جامعات الدول الاوروبیة المتعاطفة مع قضیة الشعب الفلسطیني ونضالھ لتحریر اراضیھ واقامة دولة مستقلة على الاراضي التي تم اغتصابھا وطرد اھلھا.
ابناء شیوخ العشائر والتجار والطلبة المتوفقون یختارون بلدانا وجامعات وتخصصات طبیة وھندسیة في اوروبا الشرقیة والیونان واسبانیا ورومانیا وبوغسلافیا وبعض البلدان التي توفر تعلیما مجانیا او بكلف معقولة لیعودوا للعمل في المؤسسات المتعطشة لعلمھم وخبراتھم.
الیوم یطمح الجمیع في دخول الجامعات ومتابعة التعلیم حتى نیل الدكتوراة. الاستمرار في ھذا السعي دون تدخل واع من السلطات سیحرم البلاد من طاقة الابناء ویحول الموارد الى اعباء ویعمق الفجوة بین السوق ومخرجات التعلیم.
من الواضح اننا بحاجة الى التخلص من كابوس الثانویة العامة ولكن بأسلوب یختلف قلیلا عن المحاولات التي تجري للتحمیة والتبرید.
الغد