كلمة الأيديولوجيا مأخوذة في الأصل ، من كلمة "إيديا " وتعني الفكرة وكلمة " لوغوس " وتعني حرفيا " الكلمة " ، واختلفت التكهنّات حول أصل الأيديولوجيا بمفهومها الحديث ، سواء أكانت تؤيّد أنّها من تأليف السياسي " دي تراسي " أو تعارضها ، لكن - على أيّة حال -، يبقى مفهوم "الأيديولوجيا " بشكله الحديث ثابتا عند الجميع
" تقريبا " ، وهو النّسَق الكلّي للأفكار والمعتقدات والتي تُتَرجمها الأفعال في المجتمع ، بمعنى آخر ، الأيديولوجيا هي الفكرة " المُترسّخة " في عقولنا حول مجال مُعيّن ، فلكلِّ مجال ، أيديولوجيا خاصّة به .
إنَّ مفهوم الأيديولوجيا منتشرٌ في العالم أجمع ، وهذا ما يميزها ، لكنَّ خطورتها تكمن في عدم معرفتنا بها ، ففي مجتمعنا مثلا نمارس الأيديولوجيا بدون علمنا ، وأحيانا تُمارَس " ضدنا " بدون علمنا أيضا ، وفي كثير من الحالات في بلدنا ، تكون الأيديولوجيا " عُجِنَت " بنا ، ففقدنا الإحساس بوجودها ، وكأنها أمرٌّ " فِطريّ " وبديهيٌّ أيضا ، ومن هذا الباب ، دخلت علينا " جراثيم " شوّهت منطق الأيديولوجيا ، وأظهرتها بأسوأ حالاتها ، بل وأفرزت منها ، مظاهر جديدة لم يكن لها وجود .
تُمَثّل أيديولوجيا المجتمع في بلدنا "بالتعصّب" ، ومن أشهر حالاتها ، التعصّب
" العشائري " ، وانبثق من هذا التعصّب ، أفكارٌ وُلِدنا وهي " تحاصرنا " ومنها أنَّ " ابن العشيرة " يحظى " بالواسطة " في معظم الأحيان ، ويحظى أيضا " بغضِّ الطرف " عنه في أيِّ أمر سلبيّ ، ناهيك عن أننّا تعمقّنا في هذا التعصّب ، إلى أن خلقنا له أصنافا جديدة ، فأصبحنا نتعصّب لأي شخص يماثلنا في أيّ شيء ، فنتعصّب لمن هو من نفس منطقتنا ، ولمن يشاركنا هواياتنا ، وحتى لمن يشاركنا أصدقائنا .
إلى متى سيبقى المسؤول جالسا على " كُرسيه " ؟ ، سؤالٌ -في الحقيقة- تتجلّى بهِ الأيديولوجيا السياسية في وطننا ، فالمسؤول " غالبا " يمضي على استلام واجباته الوطنية سنوات " عِجاف " ، فإذا ما أردنا أن نقارن الوقت الذي أمضاه وهو على مكتبه بالواجبات التي حققّها ، ستكون الواجبات شبه معدومة ، إِلَّا لمن " يتعصّب " لهم بالطبع ، ففي مجتمعٍ صغير مثلنا ، يؤثّر كلُّ شيء على الآخر ،
فالمسؤول " الفاسد " هو " ناقل العدوى " لنا ، فيرسّخ أيديولوجيا التعصّب والفساد في عقولنا ، والي تتمثل بمقولة " أنا والي معي وعلى الدنيا السلام " .
كل هذه " الجراثيم " تصبُّ في توزيع الثروات
" الظالم " في مجتمعنا ، فمن التعصّب والواسطة ، يُخلَق المسؤول الفاسد ، ومنه إلى " نهب " ثرواتنا ، وتوزيعها بين أشباههم ، فتغدو أيديولوجيا الاقتصاد بمثابة " نكتة " يضحك عليها المسؤول الفاسد والمتعصّب وصاحب الواسطة فقط .
كل تلك الأمثلة التي تُمثّل " بعض " الجراثيم التي أصابت أيديولوجيا المجتمع لدينا ما هي إِّلا نتيجة ضعف وهشاشة أيديولوجيا الأخلاق في عقولنا ، وهي بكلِّ إيجاز : التفريق بين الصواب والخطأ ، فعندما نضع أخلاقنا على " الرّف " ، نفقد القدرة على فعل ما يجب أن يُفعَل ، وبالتالي ولادة مجتمع متعصّب يخرج منه مسؤول فاسد يساعد على ضياع ثرواتنا ، هي سلسلة أخطاء تبدأ من " أخلاق مفقودة " وتنتهي " بأوطان مشلولة " .
الأيديولوجيا فكرة ، والفكرة ممكن تغييرها ، لكن من الصعب إزالتها ، إذا هل فعلاً الأيديولوجيا في بلدنا تعبّر عن " وعيٍ زائف " ؟ ، أم أنها موجودة بصورة إيجابية لدى البعض ؟ ، لكن هناك من قام " بتشويهها " ، فظهرت هكذا ، وأظهرت معها أيديولوجيا سلبية ، غسلت عقولنا .