حول المؤتمر القومي- الإسلامي
د. محمد أبو رمان
21-05-2007 03:00 AM
في إجاباته على اسئلة الزميل حسام تمام يقدم الأستاذ منير شفيق، المنسق العام للمؤتمر القومي- الإسلامي، توضيحات مفيدة وقراءة تاريخية كاشفة مهمة حول تحولات رؤية كل من التيارين القومي والإسلامي للآخر، خلال العقود المنصرمة، وتطور العلاقة بين الطرفين، والتحديات الراهنة أمام المؤتمر وكيفية مواجهتها.ما يؤخذ على الأستاذ منير شفيق، وهو مدعاة اختلافي الفكري الكبير معه، أنه يغيّب النقد الموضوعي لكثير من القضايا بهدف الحشد في سبيل المعركة التي تحظى بالأولوية لدى الأستاذ شفيق دوما ألا وهي الصراع مع مشروع الهيمنة والاحتلال الذي يشكل التهديد الحقيقي للمجتمعات والدول العربية، ويستدعي تأجيل كافة الخلافات وترحيلها للتركيز على هذه المعركة المصيرية.
لا أريد تكرار الحديث عن قضايا الخلاف الكثيرة مع شفيق والتيار الفكري والسياسي الذي يمثله اليوم، بل ويعتبر هو أحد رموزه، وفي مقدمة هذه القضايا إهمال أو تجاهل أولية وأهمية المسألة الديمقراطية في هذا الطرح "التجميعي"، باعتبارها مسألة ثانوية تحسن من شروط الصراع لكنها لا تمثل مربط الفرس ولا معيار الكسب والخسارة. فما أريد مناقشته في هذا المقال هو تركيز شفيق، بصفته منسق المؤتمر القومي- الإسلامي، على فكرة الحوار بين التيارين (القومي والإسلامي) دون وجود مراجعات حقيقية للخلل البنيوي في الأفكار ذاتها والمسارات السياسية التي يتبناها كل منهما، ما يحول دون تطوير ذلك الخطاب ونقد الممارسات السابقة وصولاً إلى بناء تيار يخدم الشعوب والأمة العربية المسلمة لا تيار يزيد من حالة المعاناة والأزمة القائمة.
في ظني أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في مدى تقبل كلا التيارين للآخر، بعد حالة النفي المتبادل خلال العقود السابقة، وإنما في إعادة تركيب وتعريف الفكرة الإسلامية والقومية داخل التيارين، وتوضيح أبعاد المشروع الحضاري الذي يمكن أن يجمعهما سوية في المراحل القادمة، وأن يقدماه للشعوب العربية والمسلمة.
التيار القومي حكم العديد من الدول العربية وقدّم نموذجاً فاشلاً كارثياً على مختلف المستويات. فداخلياً، تبنى القوميون العرب في مرحلة (ما بعد الدولة القطرية) المشروع الاشتراكي الذي آل إلى فشل كبير، وعجز عن تحقيق الأهداف الرئيسة التي وضعها كالتنمية والعدالة والرفاه الاجتماعي، وأصبحت الدول "القوموية" مثالاً ناصعاً على انتشار الفقر والشعور بالحرمان، وعلى غياب الإصلاح السياسي وضحالة منسوب الحريات العامة وحقوق الإنسان، فأعطت هذه الدول واحداً من أسوأ نماذج الحكم الشمولي البوليسي القمعي، وحتى على مستوى التحرر السياسي ومواجهة الامبريالية لم تؤد الحروب المسلحة التي خاضتها الدولتان الناصرية والصدامية إلاّ إلى هزائم ونكسات عسكرية.
مساءلة المشروع القومي العربي المعاصر كبيرة، لا يكفي لها مقال كهذا، وقد ألفت العديد من الكتب في هذا الباب، لكن ما يلفت الانتباه أنّ القوميين العرب لم يستفيدوا من التجربة السابقة، ولم يحاولوا تطوير مقولاتهم ورؤاهم الفكرية والسياسية بصورة حقيقية، ولم يمارسوا نقداً عميقاً صريحاً لتجاربهم البائسة، وإنما استمروا في القاء اللوم على مشجب الاستعمار والخارج والمؤامرة العالمية وتبرئة الذات، حتى بعد هزيمة البعث المذلة وسقوط بغداد بصورة محزنة وتراجيدية، لم يتوقف القوميون وقفة مراجعة نقدية صادقة، إلاّ على مستوى خجول لدى بعض أعضاء البعث في العراق.
ولم يقف القوميون العرب أمام التجربة الأوروبية في التكامل والوحدة، التي وصلت إلى نجاحات حقيقية وكبيرة، خلال فترة قصيرة من الزمن، على الرغم من الحروب المدمرة التي وقعت بين الأوروبيين، والتي عكست قرونا من التنافس السياسي والاقتصادي، إلا أنهم بحثوا وفتشوا عن مسارات وحلول أخرى تمكنهم من تجاوز تلك المرحلة القاسية وميراثها واهتدوا إلى التكامل والتعاون غير المباشر الذي يستند إلى تطوير مجالات التعاون الاقتصادي انطلاقاً من الحديد والصلب إلى توحيد النقل والعملة وتوزيع الأدوار، بينما بقي التيار القومي العربي منذ خمسين عاماً متسمراً عند الشعارات والمواقف نفسها على الرغم أن الواقع أثبت عدم جدواها وصعوبة تطبيقها.
المفارقة الملفتة هي أن التيار القومي في بدايات ظهوره الحديث والمعاصر، على أيدي نخبة من المفكرين المعروفين ،كان أكثر واقعية وعقلانية وذا نزعة ليبرالية قبل أن تحدث لديه تحولات جذرية حادة بعد قيام الدولة القطرية وتبني العسكر العرب له وارتباطه بالموجة الاشتراكية العالمية الصاعدة رداً على الموقف الأميركي والغربي من القضية الفلسطينية.
على الجهة المقابلة؛ وإذا كان التيار الإسلامي لم يختبر بصورة كافية في مواقع السلطة السياسية إلاّ أنه يواجه أزمات حقيقية في الخطاب والممارسة، وتظهر الفترة الأخيرة هواجس حقيقية في مدى قدرة هذا التيار على تقديم نماذج سياسية واقعية.
فالتجارب الإسلامية الجديدة غير مبشرة إطلاقاً، سواء ما حدث مع حماس في فلسطين، مع الإقرار بالحصار والتآمر الذي تعرّضت له الحركة، أو ما حدث مع الحالة الإسلامية في العراق سواء السنية أم الشيعية، ولا تنفد الحركات الإسلامية الأخرى في العالم العربي من صيغة المعارضة الخطابية الشعاراتية العاجزة عن تحقيق اختراق واضح في الراهن السياسي البائس. بل إنّ المؤشرات الحالية تذهب إلى أنّ الإسلاميين بصدد ارتكاب الأخطاء نفسها التي ارتكبها قبلهم القوميون، وإن بصيغة أخطر فيها إقحام للدين.
عودٌ على بدء؛ ليس التحدي هو فيما إذا كان القوميون والإسلاميون قادرين على تناسي أو تجاوز خلافاتهم والالتقاء على أهداف معينة، بالتحديد مواجهة الهيمنة الغربية، لكن السؤال الحقيقي هو أي إسلام وأي عروبة تطرح هذه التيارات ومدى واقعيتها وقدرتها على تقديم خطط عملية للشعوب العربية لتجاوز المحنة الراهنة التي تصيب حياة الإنسان العربي في أساسيتها اليومية قبل الحديث عن السياسات العليا، فذلكم هو السؤال الذي يجب أن يشغل بال القائمين على المؤتمر القومي- الإسلامي!
m.aburumman@alghad.jo