الخطاب الاردني .. تحذير "ساخن" بين اسطر السلام "البارد"
21-10-2009 07:22 AM
دق جلالة الملك ناقوس الخط حين وصف السلام مع اسرائيل بأنه "بارد"، بل وأكثر برودة من ذي قبل، وهذا، إن ما فهمه العالم لا سيما الراعي "الغائب" للسلام، فإنه تحذير اردني ساخن بأن لا مقدس من اتفاقيات إذا لم تصن إسرائيل المقدسات الإسلامية أولا والتي هي أمانة في عنق الأردن خصوصا في القدس والأقصى الشريف الذي بات اكثر تهديدا من قبل إسرائيل التي تسير في مخطط هدم الأقصى فيما الفلسطينيون أنفسهم يقتتلون ويتقاتلون ولم يعد الإعلام ينشغل الا بالإتهامات وردها من قبل سلطة رام الله وحماس، أما القدس وجرم تهويدها، فإنه بات في آخر الأولويات، وإن كان هذا يكرس حقيقة أن لا مستفيد من الشقاق الفلسطيني – الفلسطيني سوا إسرائيل، فإن أهل القضية يضعون كل هذا الخطر جانبا ويتصلبون في مواقفهم إتجاه بعضهم البعض، فيما القضية وحدها من يدفع الثمن.
وفيما العالم ما زال "ينفخ" في قضية النووي الإيراني، فإن الأردن يصر على ان هناك معاناة في مكان في العالم يدعى "فلسطين" هي أكثر أهمية، فالملك يؤكد في لقاء صحفي بعيد وصوله الى روما بأن "فلسطين فلسطين فلسطين، هي التي يجب أن تكون على رأس أولويات الولايات المتحدة وعالم الكبار، وبين ثنايا هذا التأكيد لا يخفي الملك خيبة الأمل من نتائج التحرك الأميركي في عملية السلام خصوصا من قبل مبعوث الرئيس الاميركي باراك أوباما الى الشرق الأوسط جورج ميتشل الذي لم يتمكن حتى اللحظة من إرغام إسرائيل على وقف بناء المستوطنات غير الشرعية على أقل تقدير، وخيبة الأمل الاردنية هذه لربما تحمل تحذيرا آخر بإتجاه واشنطن بأن عدم التقدم في السلام يضع المنطقة على صفيح ساخن أكثر مما تتوقع العاصمة الاميركية من ملف نووي إيران، فعدم ترسيخ سلام يقوم على حل الدولتين إنطلاقا من تخطي العوائق الإسرائيلية وعوائق رئيس حكومة تل ابيب بنيامين نتنياهو على وجه الخصوص، لن يكون للولايات المتحدة والمجتمع الدولي اي مدخل لحل مشكلة النووي الإيراني، وتأكيد الملك على أهمية ملف السلام اولا، هو بكل بساطة تأكيد بأنه الطريق الامثل لحل كافة قضايا المنطقة بما فيها قضية النووي الإيراني.
لا نعلم بعد ردة الفعل الإسرائيلية إتجاه تصريحات الملك التي رفض فيها ايضا "تقليعة" نتيناهو الجديدة بالسلام "الإقتصادي"، لكن ما يمكن أن يتوقعه أي عاقل، أن تدرس الحكومة الإسرائيلية حديث جلالة الملك بإستفاضة لتستخلص نتيجة واحدة، وهي أن عمان، التي كانت وما زالت تدعو الى السلام وتقود التوجه المعتدل، قد وصلت الى حد اليأس من أي خطوات إسرائيلية عقلانية إتجاه العملية السلمية، ولربما يصل هذا اليأس يوما لتخسر إسرائيل كل اصوات الإعتدال وتجد نفسها أمام نقطة الصفر ذاتها التي لم يكن فيها بعد أي سلام قد وُقّع معها حتى قبل كامب ديفيد الاولى مع مصر، وهذا يعني عودة الصراع العربي الإسرائيلي الى بداياته، وهذه الاجواء كانت هي السائدة إبان العدوان الإسرائيلي الغاشم الاخير على الاهل في قطاع غزة، فقد هبت شعوب العالم العربي والإسلامي عن بكرة ابيها لمناصرة اهل غزة، وقد حشرت إسرائيل حينها كل اصوات السلام في الزاوية لانها اكدت أنها لا تريد سلاما، والآن، تعود الامور الى المربع الاول بفعل الضربات الاسرائيلية الكبيرة للسلام، ولربما باتت تل ابيب على وشك ان توجه الضربة القاضية لكل ما يسمى سلاما.
من الواضح تماما بأن إسرائيل قد سممت الأجواء السياسية بشكل غير مسبوق في المنطقة منذ دخول ما يعرف بعهد السلام، ومن الوقت الذي شنت فيه عدوانها اللئيم على قطاع غزة، ومنذ وضوح مخططاتها العدوانية إتجاه الفلسطينيين وخاصة بمخطط الترانسفير والتهجير القسري لأهل الأرض والبحث عن الوطن البديل والتصويت داخل الكنيست على المقترح العدواني ضد الاردن وفلسطين، وبعد كل هذا، فإن أحدا لن يستغرب بأن تضع عمان السلام برمته على طاولة النقاش مع واشنطن والمجتمع الدولي لأن إسرائيل قد أغلقت، وما زالت تغلق، كل الابواب في وجه السلام، بل وأطفأت كل شمعة أمل كان من الممكن أن تضيئ بعضا من النفق المظلم الذي أدخلت فيه كل منطقة الشرق الأوسط، وليس من المستغرب ايضا ان تضع عمان مصير إتفاقية وادي عربة ذاتها على نفس الطاولة، ولربما يكون هذا التحذير الأردني الأكثر سخونة بين ثنايا حديث جلالة الملك عن السلام الذي جعلته إسرائيل أكثر برودة.
Nashat2000@hotmail.com