منذ ان اعلن انه لن يؤدي عملا لا يكون اكتوبر وشهداء اكتوبر حاضرين فيه ، والازمات تلاحق الطيب نور الشريف ، صاحب المقولات الشهيرة والصارخة في السينما العربية ، ولسان حال المواطن الغلبان ، في احد افلامه صرخ "الحقونا ، دول سرقوا حتى لحمنا" ، كالعادة لم يلتفت احد الى صرخة فنان مبدع وكانت النتيجة كل هذه القصص التي نسمعها عن سرقة وبيع الاعضاء البشرية والاتجار بالبشر.

ثم صرخ ذات فيلم بمزماره ناقلا اوجاع السياسة واوجاع القابضين على شرف الفكرة والكلمة ، وتاه في بلاد الله قبل ان تغتاله رصاصة اجماع تجار الدين وتجار الاقطاع ، فهو احد القلائل الذين حاولوا ان يكون الفن رسالة واستشراف لعل احدا يسمع الدق على جدران الخزان الوطني الذي بات يدّق كل يوم من المحيط الى الخليج دون استجابة من احد.

في رمضان الماضي نقل نور الشريف الفن الى مرحلة متقدمة عبر مسلسله "ما تخفوش" وهي نقلة نوعية لتحريض الشارع الرسمي والشعبي على الجهر بالعدو الحقيقي ، العدو الذي انتقل بعد سرقة الارض الى سرقة التاريخ العام والخاص ، فشخصية مقدم البرامج التي تكشف الزيف تتعرض الى سرقة تاريخها وهويتها العربية ، وتأتي الدفعة من كلمة "ما تخفوش" لتكون كلمة السر لاعادة الاعتبار للتاريخ وللجغرافيا سويا.

ناجي العلي المصري وطفله المشاكس حنظلة القادم من طمي النيل ، يتعرض الان الى هجمة شرسة تطال هذه المرة كيانه الشخصي ، وتراثه الابداعي عبر اتهامه بالشذوذ المدان شرعا ومجتمعا ، وهذا كله يأتي بعد نجاح الفن في نقل كلمة "ما تخفوش" الى الناس في كل اصقاع الوطن العربي ، مسلسل حمل ادانة واضحة للصمت العاجز والخوف السلبي الكامن في الذات من كيان مسخ.

نعترف بأن نور الشريف "فنان شاذ" ثقافة ومسلكا ، فهو لم يغرق في وحل الفن الهابط ، ولم يصمت على مساخر الحالة الاجتماعية ، ولم يقبل ان يبقى اسيرا هو وفنه لتجار النخاسة واللحم الرخيص.

نور الشريف شاذ عن كل ما يسيء للفن الحقيقي والوعي الجمالي لمخزون هذه الامة التي يجري تشويه كل خلية حية في جسمها ، وظل امينا للفن ورسالته ومشعله ومحرابه.

نور الشريف شاذ جدا حيال ايمانه العميق بوطنه وامته وسط الفن المبني على الاجساد الملقاة على قارعة الفن والطرقات ، والفن المبني على هز الخصر والعقل معا.

نور الشريف يتعرض الى مؤامرة اسوة بكل حملة المشاعل ، لان المطلوب ان يتحول الى حمل المباخر ، ويركض يدروش خلف الفن لأجل المتعة والفن ، وتمزيق كل مفاهيم الرسالة في الفن والابداع.

ندافع عن نور الشريف ، وندافع عن وجدان ساهم هو وامثاله من الملتزمين بتشكيله ، ندافع عن ذاكرة لم تتلوث وندافع عما تبقى من القلب في مواسم البيع المجاني. ندافع عن نور الشريف وعن الفن الملتزم ونتهم علنا تجار النخاسة وتجار الاوطان وتجار الفن الرخيص ، نتهم اولئك القابلين بمقولة الجمهور عاوز كده في الفن والسياسة ، ونتهم من يروج عبر الفن لالغاء الذات والوجدان عبر الكلمة الهابطة والصورة الهابطة والفكرة الهابطة ، ونعلن تضامننا مع نور الشريف وامثاله.

omarkallab@yahoo.com