من يخلف المتقاعدين في الإدارة الحكومية؟
فهد الخيطان
25-07-2019 12:29 AM
منذ أن شرعت الحكومة بتنفیذ خطتھا الجریئة لترشیق الجھاز الإداري وضخ دماء جدیدة في المؤسسة البیروقراطیة الرسمیة، یحتدم الجدل حول قدرة الوزارات والدوائر الرسمیة على سد العجز في الخبرات، بعد قرار مجلس الوزراء بإحالة آلاف الموظفین ممن بلغت خدمتھم 30 عاما، وتسھیل تقاعد من بلغوا في الخدمة 25 عاما.
اضطرت الحكومة لاستثناء بعض المھن من القرار، خاصة في وزارة الصحة التي تعاني من نقص فادح بأطباء الاختصاص، لكن في معظم المؤسسات، وجد الجیل الثاني من الموظفین أنفسھم أمام مھمة تحمل مسؤولیة المواقع المتقدمة دون سابق إنذار. وثمة قلق في بعض المؤسسات الخدمیة الكبرى من فجوة الخبرة بین جیل المتقاعدین ومن یخلفھم من الشباب.
لا شك ان الحكومة أمام تحد كبیر على ھذا الصعید، فلم یسبق أن شھدت مؤسسات الدولة الأردنیة عملیة تغییر وإحلال بھذا الحجم والسرعة من قبل.
لا نعلم على وجھ الدقة ما إذا كانت مؤسسات القرار الحكومي قد أجرت الدراسات اللازمة قبل اتخاذ القرار، وأعدت السیناریوھات المطلوبة لمرحلة انتقال المسؤولیة من جیل لآخر، وفحصت بدقة خبرات الصف الثاني في الوزارات ومدى استعدادھم للتصدي لمسؤولیات الإدارة العلیا، مع ضمان سیر العمل بسلاسة وبأقل قدر ممكن من الأخطاء.
المرحلة الانتقالیة في رأي خبراء الإدارة تحتاج لفترة زمنیة لا تقل عن عامین، لتصعید جیل جدید من القیادات الإداریة الشابة، وملء الفراغ الناجم عن رحیل كبار الموظفین من أصحاب الخبرة.
والمسألة بالطبع تتفاوت بین الدوائر تبعا لمھماتھا، وحجم كادرھا الوظیفي، والأھم مدى اھتمام تلك المؤسسات ببرامج التدریب والتأھیل لموظفیھا، وتھیئتھم للمواقع القیادیة، إضافة للھیكل الوظیفي والعلاقة المھنیة التي تربط الصف الأول بالثاني، ومدى التفاعل المیداني بینھما.
لكن على الجانب من المعادلة، ثمة قیمة مھمة للمرحلة الانتقالیة، تتمثل في خلق روح التنافس بین موظفي الصف الثاني لتولي المناصب القیادیة، شریطة أن تقتصر عملیة الترقیة على المعاییر التقلیدیة المتمثلة بسنوات الخدمة والدرجة الوظیفیة، وإفساح المجال أمام الطاقات الشابة في المؤسسات للمنافسة على المناصب المتقدمة.
ولا بد أن تأخذ الحكومة ھذا المتطلب الأساسي في عملیة الاصلاح الإداري عند النظر في تعدیلات نظام الخدمة المدنیة التي تتولاھا حالیا لجنة حكومیة من الوزراء وأصحاب الخبرة في مواقع القرار الرسمي.
في المحصلة، العملیة الانتقالیة ستكون صعبة وقد یعتریھا بعض الأخطاء والتحدیات، لكن في نھایة المطاف لا بد من السیر فیھا حتى النھایة، فالجھاز الإداري عانى لعقود طویلة من تطاول على معاییر الكفاءة والجدارة، وخضع لعملیة تسمین جعلت منھ كائنا ثقیلا بطیئا یرھق كاھل الدولة ویعجز عن الوفاء بمسؤولیاتھ، رغم ما قدم من خدمات جلیلة.
أما أصحاب الخبرة من رجال الصف الأول في الإدارة الحكومیة، ممن أفنوا سنوات عمرھم في الخدمة العامة، فلا بأس من التفكیر بآلیة لتوظیف خبراتھم لتأھیل القیادات الشابة، من خلال برامج تدریب في المؤسسات التي عملوا فیھا، والرجوع إلیھم كمستشارین لخطط الإصلاح تنبيهات الإداري.
الغد