وجّه النائب عبدالكريم الدغمي، سؤالا مهما إلى الحكومة، وأعتقد جازماً، أن الحكومة سوف تتهرب من الإجابة، أو تقدم إجابة ناقصة، خشية من ردود فعل الرأي العام، الذي قد لا يعرف تفاصيل كثيرة.
الدغمي سأل الحكومة عن حجم التجارة بين الأردن وإسرائيل، الصادرات والواردات، وبشأن كل القطاعات، من سياحة وزراعة وغير ذلك، كما أن السؤال فيه عنصر آخر أكثر أهمية، ويتطرق إلى وجود إعفاءات للسلع الإسرائيلية، خصوصا أن المعلومات تتحدث عن إعفاءات شملت ألفي سلعة إسرائيلية، تم منحها من حكومة سابقة قبل سنوات، وهي ميزة لا تحظى بها السلع العربية التي تتدفق إلى الأردن.
إذا كان الدغمي وجه هذا السؤال، وأغلبية النواب تتعامى عن هذا الملف، فإن من حقنا أن نسأل كثيرا من النواب عن دورهم في حماية البلد، ولعل المفارقة أن النواب الذين أشبعوا الدنيا صراخا ضد اتفاقية الغاز الفلسطيني المنهوب إسرائيليا، يسكتون أمام ملف أخطر، أي ملف التطبيع الاقتصادي، وعلينا أن نشير بشكل واضح إلى أن حجم الاختراقات يتزايد، ولا يؤدي كثيرون دورهم من أجل حماية الأردن؟
كيف يمكن أن يمارس كثيرون هذا التطبيع، وبين أيدينا مشاهد حدثت خلال اليومين الفائتين، إذ بالأمس اقتحم العشرات المسجد الأقصى، الذي يرعاه الأردن، وقبل ذلك بيومين هدمت إسرائيل عشرات البيوت جنوب القدس، بذرائع أمنية كاذبة، وهذا الضغط الشديد الذي تتعرض له القدس، بحاجة الى وقفة فاعلة، بدلا من الكلام، والشعارات، والبحث عن الشعبية في كل مكان؟!.
سؤال الدغمي الذي قد لا تجيب عليه الحكومة بشكل دقيق، لا بد أن يتحول الى استجواب، أو دعوة الحكومة لجلسة مع النواب لمناقشة كل ملف العلاقة مع إسرائيل، وهي جلسة لا بد أن يتم عبرها فتح الملفات، ومراجعة قضايا كثيرة، بدلا من جلسات الخطابات والعصف الذهني التي شبع الشعب الأردني منها.
علينا أن نسأل الحكومة الحالية، عما فعلته حكومات سابقة، لأن المسؤولية لا تقع على الحكومة الحالية، التي للأسف تتماشى مع حالة موروثة من حكومات سابقة، ونريد أن نرى جرأة حكومية عبر الرد، بالتفاصيل حول السؤال الموجه، وعدم إخفاء أي تفاصيل، خصوصا حين نعرف أن الاقتصاد الأردني بات ملحقا بإسرائيل، وخاضعا لخدمته، بقبول رسمي هنا، وعدم وجود أي اعتراضات، برغم كل تهديدات إسرائيل لنا في هذا البلد.
من المؤسف أن الحض على تجنب التطبيع، من زاوية دينية وأخلاقية وقومية، لا يؤدي إلى أي نتيجة، لأن العاملين والمتعاونين مع إسرائيل هنا في الأردن، لم يعد لديهم ضمير، وماتت الشهامة فيهم، على الرغم من أن تجارتهم الحرام تساهم بشكل أو آخر في ازدهار إسرائيل، وتمويل جيشها ومؤسساتها، وسيأتي يوم ستتم فيه محاسبة كل الذين تجاوزوا الخطوط الحمراء التي يؤمن بها غالبية الناس في هذا البلد.
مصيبتنا هي في وجود تيار الأسرلة بيننا، وهو تيار سياسي اقتصادي اجتماعي، يرى في التحالف مع إسرائيل، والتطابق معها، وخدمتها، خيار لا بد منه، ولا نريد أن نتهم أحدا بالاسم، إلا أن تيار الأسرلة مهما تخفى في الأردن أو حتى في فلسطين، أو دول أخرى، إلا أنه بات مكشوفا، وبات طبيعيا أن لا نأمن اليوم أمام كثرة، تبدو منا وبيننا، لكنها بالتأكيد الأشد خطرا علينا وعلى مستقبلنا.
سننتظر إجابة الحكومة، لكنها على الأغلب قد تتهرب، أو تقدم إجابة ناقصة وباهتة، لأن الاعتراف بالحقائق قد يولد صدمة عامة، لا يحتملها أحد، في هذا التوقيت الحساس بالذات.
الغد