دائرة الإفتاء في الأردن تبدأ حرب فتاوى: "الشات" بين الشباب والفتيات حرام!
نضال منصور
20-10-2009 04:11 AM
** الدول التي تفرض قيوداً مجتمعية حادة وقيوداً سياسية يتجه الناس فيها إلى فتح منابر للتواصل
أصدرت دائرة الإفتاء العام في الأردن فتوى جديدة جداً تحرم غرف المحادثة والدردشة "الشات" بين الشباب والفتيات.
الفتوى التي نشرها الزميل محمد النجار على موقع "الجزيرة نت" جاءت ردا على سؤال نصه "هل يجوز التحدث مع الشباب في مواضيع دينية على الماسنجر"؟.
الفتوى قالت إن هذا أمر محرم، حتى ولو في أمور عامة ومباحة؟
وبررت الفتوى هذا التحريم بحسب الموقع "بما يترتب على هذه المحادثات من تساهل في الحديث يدعو إلى الإعجاب والافتتان غالباً ويفتح للشيطان باباً للمعاصي، فيبدأ الحديث بالكلام المباح لينتقل بعد ذلك إلى كلام العشق والغرام، وبعدها إلى المواعدة واللقاء".
واعتبرت الفتوى أن بعض هذه المحادثات "جرّت على أهلها شراً وبلاءاً فأوقعتهم في العشق المحرم، وقادت بعضهم إلى الفاحشة الكبيرة"؟.
واستندت الفتوى للآية الكريمة "يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر".
وبلا شك فإن هذه الفتوى ستفتح المجال لجدل واسع وإلى سجالات دينية وفقهية لا نعرف إلى أين ستقودنا؟!.
وأبدأ بالسؤال الأساسي والمهم.. هل تعلم دائرة الإفتاء العام بأن عدد مستخدمي الإنترنت في الأردن بلغ 1.5 مليون أي بنسبة انتشار 24% تقريباً، ويستخدم 85% من هؤلاء "الشات" سواء كانوا شباباً أو فتيات، وهذا يعني وهو الأهم أن ما يقارب مليون شخص يحتمل أنهم يرتكبون أفعالاً محرمة استناداً للفتوى؟!
أليس هذا خطيراً وقاسياً في عصر الإنترنت وثورة الاتصالات، بخاصة وأن هذه الفتوى لا تجد تأييداً حتى عند بعض رجال الدين، ففي ذات الموضوع الصحافي الذي نشر يقول أستاذ الشريعة الدكتور أمجد قورشة تعليقاً على الفتوى "لست مفتياً، لكن من باب فهمي لروح النصوص الشرعية فإنني أرى أن أصل الكلام بين الرجل والمرأة ليس محرماً"، وبين أن "الشات" هو "نوع من أنواع المحادثة وبما أنه لا يوجد له أصل فإنه يقاس إلى أقرب قريب له وهو المحادثة والمخاطبة بين الرجل والمرأة".
وإذا كانت الحوارات عبر "الشات" محرمة، فكيف سنفعل ونتعامل مع واقعنا، فالرجال والنساء في كل مكان معاً، في الجامعات، في العمل، وهم طوال الوقت يتحدثون، ما هي القواعد الشرعية والفقهية التي ستحكمنا. وإذا كانت دائرة الإفتاء قد حرمت الحوار "غير الوجاهي"، فلماذا لا تحرم غداً كل ما نفعله في حياتنا؟!
عدت إلى قانون الإفتاء لعام 2006 لأقرأ مهام وصلاحيات دائرة الإفتاء فوجدت أن دورهم منصب على وضع سياسة عامة للإفتاء في المملكة، والإشراف على الشؤون العلمية للإفتاء وبيان الحكم الشرعي في الشؤون العامة التي تحتاج إلى اجتهاد، ودراسة مقترحات القوانين والأنظمة التي تعرض عليهم.
وإذا كان الإفتاء العام سيجيب عن كل ما يعرض عليه من الأمور المثيرة للخلاف والجدل والمرتبطة بالتطور العصري فإننا سنفتح باباً "لحرب الفتاوى"، ويكفينا ما يمطرنا به بعض المشايخ على الفضائيات من فتاوى، لو طبقت لعدنا عشرات السنين إلى الوراء، وجميل أن نتعلم من الأزمات والمطبات التي يقع بها "الأزهر" في مصر حتى نطبق الحكمة التي تقول "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب".
لست من مدمني استخدام الكمبيوتر، لكن طلبت من زملائي تزويدي بأكثر الدول استخداماً للإنترنت في منطقتنا، فاكتشفت أن إيران تأتي في مقدمة الدول الشرق أوسطية ففيها 16.4 مليون مستخدم، وتتبعها السعودية بحوالي 7.2 مليون مستخدم، ثم إسرائيل بحوالي 5.2 مليون مستخدم ثم يليها سورية 3.5 مليون مستخدم.
وإذا دققنا بهذا المشهد فنجد أن أكثر الدول التزاماً دينياً هي الأكثر استخداماً للإنترنت، كما يمكن قراءة الأمر أيضاً بأن الدول التي تفرض قيوداً مجتمعية حادة وقيوداً سياسية يتجه الناس فيها إلى فتح منابر للتواصل.
ولا أعلم ما هي الفتاوى في إيران والسعودية الأكثر استخداماً للإنترنت و"الشات" والفايس بوك.. هل هي تتوافق مع الفتوى الأردنية؟!
لا أحد ينكر أن هناك إساءة في استخدام الإنترنت في مجتمع يتغير ويشعر بالكبت الاجتماعي وبالضغوط النفسية الهائلة، وهناك مصطلح أصبح شائعاً يسمى "الخيانة الإلكترونية"، ولا يقتصر الأمر على التداعيات الاجتماعية بل يمتد الأمر إلى النصب والاحتيال الإلكتروني، وليس أخيراً المخاطر الاستخباراتية من خلال المراقبة الإلكترونية.
ومع ذلك فإنني أشعر بالخجل حين لا نجد من كل هذا التطور التكنولوجي سوى قصة تحريم "خلوة" الشباب والفتيات عبر الإنترنت.
بهذه الفتوى ستجد دائرة الإفتاء نفسها في مواجهة جيل من الشباب قد لا يلتفت لما تصدره، فالدراسة التي أجراها الأستاذ محمد القضاة من قسم الصحافة والإعلام بجامعة اليرموك تشير إلى أن أكثر رواد مقاهي الإنترنت من الشباب تتراوح أعمارهم بين 18 ـ 22 عاماً ويشكلون 44%.
نعم علينا أن نتنبه لحالة "الإدمان" على استخدام الإنترنت التي تجتاح الشباب وأن نجد حلولاً اجتماعية تتماشى مع روح العصر، وفي الوقت نفسه علينا أن ندرك أن لهذا الإنترنت وغرف المحادثة فوائد في تأسيس شبكات أصدقاء وفي استعادة أصدقاء فقدنا الاتصال بهم منذ سنوات طويلة.
بأمانة يجب أن نتوقف بهدوء عند فتوى دائرة الإفتاء لأنها ستفتح الباب على مصراعيه لحرب فتاوى في الأردن.