من يقول "الحقيقة" .. أحمد الطراونة أم سليمان الموسى؟
م. أشرف غسان مقطش
22-07-2019 05:04 PM
منذ أسبوع، بدأت بقراءة كتاب "أعلام من الأردن، صفحات من تاريخ العرب الحديث"، لمؤلفه سليمان الموسى، الطبعة الثانية (2008).
الكتاب كعادة أي كتاب يبدأ بمقدمة، ثم يفتتح ديوانه بفصل أول عن هزاع المجالي، ثم فصل ثان عن سليمان النابلسي، ثم فصل ثالث عن وصفي التل، فخاتمة تستحق أن تكون جدارية في شارع وصفي التل في عمان، بين قوسين: شارع الجاردنز.
وأثناء رحلتي مع المؤلف في حياة هزاع المجالي (1918-1960) بحلوها ومرها، تذكرت أنني شاهدت قبل نحو أربعة أشهر حلقة على اليوتيوب لأحد المحللين السياسيين عن هزاع بركات المجالي.
ومثل أي روايتين أو أكثر، قد تجد إختلافا واحدا على الأقل بين الروايات الدائرة في فلكها حول حدث تاريخي، وجدت عدة إختلافات بين روايتي المؤرخ والصحفي المحلل السياسي، سأضعها بين يديك عزيزي القارئ، لعل وعسى، نقترب معا أنا وإياك أقرب ما يمكن من "الحقيقة" حول هزاع المجالي الذي كان الأول على صفه والعريف على زملائه طوال سني دراسته في الكرك.
ومن نافلة القول الإشارة هنا إلى أن الدكتور المحلل السياسي قد استند في روايته إلى ما ذكره رئيس الوزراء الأسبق أحمد الطراونة في كتابه "رحلتي مع الأردن، مذكرات أحمد الطراونة".
ولذلك، سيكون هذا المقال عبارة عن دراسة مقارنة بين رواية سليمان الموسى ورواية أحمد الطراونة الذي كان شريكا لهزاع المجالي في مكتب محاماة.
بداية أود أن أستعرض تسلسل الأحداث التاريخية المعني بها المقال لكي تكتمل الصورة لدينا في ضوء المقارنة بين الروايتين:
(24/02/1955): وقع كل من العراق وتركيا (ميثاق التعاون المتبادل بين العراق وتركيا) الذي انضمت إليه لاحقا بريطانيا وباكستان وإيران.
(02/11/1955): زار الرئيس التركي جلال بايار الأردن، تمنى فيها على الأردن الإنضمام إلى ميثاق بغداد (حلف بغداد).
(16/11/1955): أرسلت وزارة سعيد المفتي مذكرة رسمية إلى بريطانيا، فيما بين سطورها، إشارة من الحكومة الأردنية باستعدادها لإجراء مفاوضات مع بريطانيا حول الإنضمام الى ميثاق بغداد.
(06/12/1955): وصل الجنرال تمبلر، رئيس أركان القوات المسلحة البريطانية إلى عمان على رأس وفد رسمي، للبحث في مسألة إنضمام الأردن إلى ميثاق بغداد.
(11/12/1955): إجتمعت وزارة سعيد المفتي مع الجنرال تمبلر في دار السفارة البريطانية دون التوصل إلى إتفاق.
(14/12/1955): قدمت وزارة سعيد المفتي استقالتها.
(15/12/1955): بدأ هزاع المجالي بتشكيل وزارته، معلنا صراحة أن برنامج وزارته يهدف إلى الانضمام إلى ميثاق بغداد.
(20/12/1955): قدمت وزارة هزاع المجالي إستقالتها إثر اندلاع مظاهرات ضد الانضمام الى ميثاق بغداد.
وأول إختلاف برز لي على السطح بين الروايتين هو أن أحمد الطراونة يقول كما قرأ لنا الدكتور المحلل السياسي من كتاب الطراونة أن هزاع المجالي كان قد طلب من كلوب باشا الوقوف في وجه المظاهرات ومنعها، بينما يقول سليمان الموسى في كتابه سالف الذكر، ص(30-31):
في ذلك الجو المحموم اقترح الفريق جلوب فرض نظام منع التجول واستعمال الشدة، بل كان هناك اقتراح باقتناص قادة المظاهرات. وفي أحد اجتماعات مجلس الوزراء جاء الفريق جلوب الى دار رئاسة الوزراء في موكب عسكري، ودخل الى قاعة الاجتماعات وقدم لرئيس الوزراء قائمة باكثر من ثلاثين شخصا، قال انهم المحرضون على قيام المظاهرات وان اعتقالهم سيؤدي الى عودة الهدوء واستقرار الاحوال. ولكن المجالي لم يكن ممن يحبون سفك الدماء، ولم يكن يريد أن يفرض رأيه بالحديد والنار. كان همه أن يعالج الأمر بالطرق الدستورية والديموقراطية. لذلك أصدر تعليماته بعدم استعمال الشدة.
ثم يدعم سليمان الموسى روايته بشهادة من السفير البريطاني في عمان، مرفقة بهامش يفيد فيه المؤلف أنه استقى هذه الشهادة من جريدة الشرق الأوسط ١١ كانون الثاني - 7 شباط 1986. وجريدة الدستور 16 شباط 1986، إذ يقول المؤلف في كتابه المذكور أعلاه، ص(54):
وشكا السفير البريطاني من أن الحكومة لم تسمح للجيش باطلاق النار على اامتظاهرين.
وفي موضع آخر من الكتاب، يؤكد سليمان الموسى على روايته أن هزاع المجالي رفض طلبا من جلوب بقمع المظاهرات، إذ يقول في نفس الكتاب، ص(65):
واستمرت المظاهرات تزداد عنفا، ورفض هزاع المجالي أن يستعمل القوة لاخماد المظاهرات، واثر ان يستقيل انصياعا لارادة الجماهير، على الرغم من اقتناعه بان الجماهير على خطأ وان الحلف سيوفر للاردن القوة العسكرية والدعم السياسي.
فمن يا ترى يقول الحقيقة، سليمان الموسى أم أحمد الطراونة؟