عواد الخالدي: دبلوماسية امتزجت بالبداوة والروح العسكرية
د.مهند مبيضين
19-10-2009 11:41 PM
أصعب ساعات حياته تلك التي سبقت نهار النكسة العام 1967، كان قد لحظ محاولات العدو في إجراء عمليات رصد وكشف على طول خط الهدنة في منطقة جنين" أخبرنا بأن اليهود تقدموا ليهاجموا جنين ، وكانت قوتهم مكونة من لواء دروع ولم يكن لدينا قدرة للدفاع بآليات بسيطة دافعنا لمدة ليلة ويوم وفي الآخر وصل اليهود وجرح قائد الوحدة صالح عليان أبو الفول..."
البدوي عواد الخالدي الذي بدأ يفك الخط في "خربوش" صغير تدرج في الرتب والدورات والتحق للدراسة في أفضل الكليات العسكرية وصار وزيرا ثم سفيرا، يروي سيرته ويصر على أن لا يتحدث كثيرا عن ماضيه الشخصي بقدر ما يرغب بالحديث عن زمانه.
ولد في العام 1930 في البادية الشرقية "في عشيرة بني خالد ثم تحولت العشيرة إلى القرية" وقبل ذلك شب في بيت شعر
"..كنا "رحّل" نتحرك بين الأردن وسوريا وشمال السعودية ثم استقرت العشيرة من نمط البداوة.."
والده كان يتاجر بالأغنام واعتاد السفر لعدة جهات قريبة من مثلث البادية الشرقية تارة نحو العراق ومرة إلى سوريا وأخرى لفلسطين في الصيف وما أن يطبق الشتاء فيوغل في شمال السعودية.
بيد أن الأب الذي عرف الجهات جيدا كان يرى أن حق الأبناء في العلم واجب على الكبار "والدي أقام بجانب بيت الشعر لنا بيتا صغيرا (خربوش ) وأحضر لنا شيخا من بلدة ملكا اسمه صالح الملكاوي علمنا الألف باء أنا وأبناء العرب وكنا نحو 18 طفلا وعلمنا العربي والحساب والدين ولما رحنا المدرسة كان مستوانا جيدا..".
استقرت الأسرة في بلدة الخالدية قرب المفرق، وكان هناك مدرسة للثقافة العسكرية - تحولت فيما بعد إلى كلية الشهيد فيصل- فألحقه والده فيها للصف الأول وبقي حتى الصف السابع، إذ أرسله للكلية العربية بالقدس العام 1946 " كان مدير الكلية احمد سامح الخالدي ويبدو أن الأسماء كانت معروفة وكان والدي تعرف إلى عائلته أثناء رحلاته التجارية للقدس".
درس في القدس للصف الثالث الثانوي حتى إذا وقعت النكبة 1948 قفل عائدا وأكمل دراسته الثانوية في مدرسة الثقافة العسكرية في عمان.
بعد الثانوية التحق بالجيش وهو يعي حادثة اغتيال الملك المؤسس "كانت فاجعة وكان الملك المؤسس رجلا فذا وقد عمل لنا موقعا مهما وكنا في منتهى الاستياء ولم يكن احد معتادا على ذلك...وكان هناك غضب في نفوس الضباط".
تجربته مع الملك طلال ليست مباشرة لكنه يروي انطباعات جيل عن الراحل طلال المشرّع "لم أكن قريبا منه، لكن كانت مواقفه الوطنية مميزة لدرجة أننا اعتقدنا أن (طلال ) لم يمت بل اغتيل بأيد أجنبية بفعل قوىً خارجية أو هيئ له المرض وكانت مدته قصيرة .... وهو من الأشخاص الذين يجهرون بعدائهم لبريطانيا واليهود ".
بدايته مجندا في قوات البادية التي كان يقودها شخص اسمه "ابو هاشم" لم تطل، إذ اختير ليلتحق مرشحا "صرنا تابعين للجيش ومنحنا أرقاما ورقمي كان 894 ثم سافرنا لكلية ساندهيرست الكلية الحربية الملكية"
لندن لم تكن سهلة عليه هو والرفيق راكان بن عناد الجازي، "لكن الانجليز مع كرهي لهم بسبب ما تسببوا به من مصائب كان عندهم استعداد لقبولنا وأعدوا مدرسة تابعة لكلية ساندهيرست وهي لتدريب المرشحين ومن ينجح في مدرسة التدريب يقبل ودرسنا مدة سنة ونصف وكنا في مستوى جيد برغم خلفياتنا البدوية..وبمثلما اكتسبنا الروح الانضباطية العالية تعلمنا الأكل على الطاولة بالشوكة والسكين والتمدن.."
قبل العودة كان المرحوم الملك حسين قد وصل لساندهيرست والتقى بهم وفرح برؤيتهم هناك، ثم عاد الشباب "لم نكن نحمل رتبا وأصبح كل منا ضابطا".
عيّن الخالدي في الكتيبة الثالثة في اربد - فيما بعد كتيبة الأميرة بسمة- وبقي هناك لفترة ضابط استخبارات، وما أن عاد الملك حسين "طلبنا أنا وراكان الجازي لنكون مرافقين معه وخدمنا فترة من الزمن.." .
بعد ذلك رجع لوحدته ثانية وتنقل بالوظائف بين ضابط استخبارات وقائد وحدة إلى أن وصل لرتبة رئيس "نقيب". ومع تنامي علاقاتنا مع الولايات المتحدة اختير أبو خالد ليذهب في دورة دراسية في أميركا لكلية القيادة والأركان في العام 1959.
بعد الدراسة في كلية القيادة والأركان عمل في القيادة العامة للجيش فترة في مجالات التدريب وصار مسؤولا عن الوحدات التي تعنى بذلك، ولما ترفع لرتبة عقيد صار مساعدا لرئيس الأركان الشريف زيد بن شاكر لشؤون التخطيط وبقي معه إلى العام1965.
أواسط الستينات اختير قائدا للواء خالد بن الوليد "شكلت الألوية من أبناء القرى الأردنية والفلسطينية على الواجهة مع العدو وكان اسمها الوية الحرس القروي وعسكرها مواطنون من أبناء القرى في جنين وهم من العمال والمزارعين والمدرسين وكنا ندربهم ونسلحهم ..نحن مجموعة من الجيش النظامي عملنا في القيادة والتدريب إلى أن صارت النكسة".
عشية النكسة يؤكد الخالدي أن إسرائيل استبقتها بعمليات مسح شاملة، ويؤكد أن قائد الجيوش العربية عبد المنعم رياض لم يتم مسوحاته التي بدأها قبل النكسة بأسبوع "الجيش العربي كان أفضل الجيوش العربية تدريبا لكن تسليحا :هناك من كان يملك سلاحا روسيا ونحن أسلحتنا بما يعطى لنا من أميركا ولكننا لم نكن نملك السلاح الأفضل فالعدو ملك الدبابة الفرنسية "السوبر شيرمن" التي كانت تحمل مدفعا مميزا طوروها ليصبح قطر مدفعها 105 ملمترات بينما دبابتنا مدفعها 90 ملمترا والدبابة تقاس بحجم المدفع كما أن العدو تفوق بسلاح الجو والدروع وكان محمولا وقادرا على التحرك بسرعة"
أثرت الحرب على معنويات الجيش، لكنها كانت درسا كافيا لاستعادة الروح من جديد "بعد الحرب معنوياتنا لم تكن جيدة كانت الهزيمة كبيرة لكن الملك حسين أصر على إعادة تنظيم الجيش من جديد، وأعاد للجيش بجهده الشخصي التسليح وعبر زياراته المتوالية للوحدات استعاد المعنوية للأفراد والضباط وهذا كان مقدرا من جانب الضباط وكان ذلك من أسباب النصر في الكرامة".
نقل الخالدي بعد النكسة آمرا لمدرسة المشاة التدريبية، وبعد مدرسة المشاة صار قائدا لكلية الأركان وبقي فيها نحو ثلاث سنوات "خرّجنا خلالها نخبة من الضباط الأردنيين.."
العام 1970 عاد للقيادة العامة للجيش ضابط ركن، وخدم في فرع العمليات، يروي أحداث أيلول والصدام مع الفدائيين وهو يومها في القيادة العامة للقوات المسلحة " حصل نوع من التعديات من قبل المنظمات الفلسطينية في مناطق سكانية مثل جبل الحسين ،الهاشمي، واربد والزرقاء وشهدت تعديات من قبل المنظمات على وحدات الجيش حيثما كان هناك عسكري وتعد على الدولة وصار الوضع غير طبيعي".
شكلت حكومة عسكرية برئاسة محمد داوود (16/9/1970- 24/9/1970) وحمل الخالدي حقيبة الاقتصاد الوطني والزراعة.
الحكومة العسكرية لم تطل "سافر الرئيس لمصر ليلتقي قيادات فلسطينية وأرسل استقالته من القاهرة... أحبطنا وخرجنا من الحكومة..كان الرئيس داوود الأكبر رتبة وكان مسؤولا منسقا عن الهدنة الدولية بعد 1967م".
يكشف الخالدي انه مع الاستقالة "تأثر الملك ومستشاروه وربما ندموا على خيار داوود وأعتقد أن خياره كان لأنه فلسطيني ولأنه الأقرب وكان يتعامل مع الناس وهو رئيس لجنة الهدنة الدولية..ومدعاة الغضب وسوء الحظ كانت تتمركز في السؤال لماذا لم يعد لعمان ويستقيل من هنا؟".
في مقر اجتماع الحكومة في مبنى وزارة الدفاع قرب قيادة الجيش في طريق السلط كان الحسين "الزائر المستمر" وكان رحمه الله يبدو "حائرا بين أن يترك الأمر للجيش أو يداوي الأزمة بأقل الخسائر " لكن تصاعد عمل المنظمات إلى ابعد ما يكون عليه الأمر في السياسة حسم الموقف.
القانونيين يقولون أمام الدولة تسقط الشرعية، لذا يبين الخالدي أن تدخل الجيش وحسم الأمر في نحو شهر كان "للحفاظ على الدولة وإعادة النظام".
العام 1974 وأثناء زيارات الملك حسين لدولة الإمارات العربية المتحدة التقى بالمرحوم الشيخ زايد بن سلطان، فطلب من الملك حسين بعثة أردنية من اجل المساعدة في إعادة تنظيم قواتهم المسلحة.
اختار الراحل الملك حسين عواد الخالدي لتلك المهمة قال لي: " عواد دز الحر ولا توصيه". وما أن وصلت حتى اجتمعت مع الشيخ زايد وقال لي: "سوف اصدر مرسوما بتعيينك رئيس أركان قواتنا المسلحة" وبعد يوم استعد وسلم القرار بتعيينه رئيسا لأركان الجيش الإماراتي الذي كان يضم ضباطا أجانب انكليز وباكستانيين وعربا من غير الأردنيين.
تعليمات الشيخ زايد كانت له بأن يعمل ليستلم مواطنوه مواقع الأجانب وكان في كل إمارة قوة خاصة بها وتشكيل خاص وكان عليه أولا توحيد القوات المسلحة "حدث ذلك بعدما التقى الشيخ زايد مشايخ الإمارات وكان الشيخ خليفة بن زايد -الأمير الحالي- نائبا للقائد الأعلى للقوات المسلحة وطلب مني أن استدعي من الأردن ضباطا لمساندته فاستدعيت ضباطا وكان أهمهم موقع آمر الكلية العسكرية..جاء عبد الحافظ مرعي ثم جاء سالم الترك وخلال سنة باستثناء المدربين صار الجيش كلهم مواطنين إماراتيين".
بقي الخالدي في الإمارات حتى العام 1978 "طلب الشيخ زايد التمديد لي وبعد انقضاء المهمة استأذنته للعودة وكان عرض علي التعيين بالديوان الأميري وعينت فترة سبعة شهور ولكن بعدها عدت للأردن واشهد أن الشيخ زايد مثال للروح القومية والعطاء".
عودته كانت ملحّة، إذ رشح للذهاب لكلية دراسات الدفاع الملكية في لندن، وهي أعلى معهد دراسي عسكري في بريطانيا وتخرج منها العام 1980 وبقي في الجيش حتى تقاعد العام 1981.
حياة الجيش لم تغادره، بعد مدة قريبة على التقاعد، عين سفيرا في اليونان "كان العمل بالخارجية قريبا من الروح العسكرية لما يتطلبه من انضباط.." وبقي في اليونان للعام 1987 حيث نقل سفيرا في باريس "عاصرت ميتران وشيراك، وكنا مرتاحين مع شيراك أكثر لأنه كان رئيس بلدية باريس ويدعونا دائما".
خلال وجوده بباريس سفيرا شارك عضوا بوفد الأردن لمؤتمر مدريد للسلام والرجل الذي قاتل ودرب أهل جنين ضد العدو لم يجد ضيرا في أن يخدم بلده في السلام برغم أنه ما زال يسمي العدو عدوا "لم أتردد مطلقا كنت اشعر أني أساهم بقدر استطاعتي لأن تكون ورقة الأردن متوازنة وفيها اعتدال ولمسة قومية وحرصنا على إنجاح مهمة وفد فلسطين".
بقي في باريس سفيرا لعام 1993 وعندها قرر طلب التقاعد "شعرت أن الوقت ملائم للراحة واليوم أنا مزارع في قريتي الخالدية التقي الناس في المضافة وأشاركهم همومهم وأفراحهم".
حزبيا شارك عبد الهادي المجالي بتشكيل حزب الثقة ثم العهد العام 1998 وكان الأمين العام "بقيت أمينا عاما لست سنوات ثم خرجت".
يحب المطالعة والمشاركة في العمل الاجتماعي وهو عضو في عدة جمعيات مثل جمعية اتحاد السفراء والصداقة الأردنية البريطانية وجمعية الشؤون الدولية.
زوجته فاطمه الجرادات من قرية بشرى "تعرّف إليها أثناء الخدمة العسكرية في اربد" وأنجب منها أربعة أولاد وبنتين، خالد هو اليوم مهندس طيران ومدير لشركة في السعودية والشرق الأوسط وغالب دكتور في جامعة اليرموك وناصر التحق بالجيش وهو مهندس ميكانيك ومدير شركة أملاك وسعد مهندس اتصالات ومدير شركة أميركية بدبي..ورنده تعمل في قطاع البنوك وهي نائبة مدير فرع وإيمان تعمل في شركة خاصة.
Mohannad.almubaidin@alghad.jo
عن الغد ..