كَبِد الأثَرَة وحُبُّ الذَّات .. مآلات مشروعنا الكبير
د. نضال القطامين
21-07-2019 10:27 PM
على نحو بائس، تتعاظم جروحنا وتُنكأ، وتغيب في الآفاق شمس التاريخ العَارِمة.
لا يحتاج الأمر إلى تعليل كي نفسر لأنفسنا ظمأ الهاجرة القاسي، وغياب الماء وسط رمضاء منشأة من صمت وعذاب وكآبات.
لا أحد في السواد الكبير، وَعَى مَدْعَاة ضجر العامة من سَنَاءهم وعلوّ كعبهم، لا أحد إِسْتَدَلَّ المُسَوِّغات التي خَلَعَتنا من مُفْتَتَح الوحدة الكاملة وغُرَّة السريرة الخالصة، فقذفتنا في كَبِد الأثَرَة وحُبُّ الذَّات، وفي عُرْض الذُهُول والسَهْوَة.
ما الذي ذَرَأَهُ هذا الزمن في المبدأ والعقيدة؛ ليُشغِلَ الناس في أقواتهم وفي اقتفاء أثر أسباب الحياة.
نستمرىء ألمنا الغائر ونلوك حزن العواصم ولا نوقف نزيفها، وبينما تكتظ حقائبنا بأحلام اللهو والمسرّات، يقبع مشروعنا العربي الكبير أسير الفوضى والإقليمية ومحافل الجهل والإلهاء.
وما الحاصلُ سوى انتظار الناس لورود في الميادين، فلا يروا سوى جثث الفكرة والمبدأ ملقيّة دون بال؟ أيُّ شأن لنا في هذا العالم وقد سارت ركائب التقدم فيه وبلغ الناس هناك مبلغهم من الحضارة والرفاه والديمقراطية، دون منّة ودون أعطيات!
لا شيء في الحاضر سوى مزيد من الخيبات. لا شيء سوى انشغال مصطنع، ولهاث وراء العيش. ولكأننا لسنا سوى أحجارٌ على رقعة شطرنج، أو بيادق تُرسم لنا الطريق فلا نملك سوى الخضوع.
أيُّ وحل طرحنا فيه التاريخ والهمّة واستكنّا للدعة وأسباب اللهو؟ وأيُّ خَطِيئة وجَرِيرَة نجترحها ونجنيها بحق أجدادنا واحفادنا؟ أيُ رُقِيّ ورِفْعَة ومَجْد نسيناه وتناسيناه وأُنسيناه، في الطب والعلوم والترجمة والهندسة والفلك وفي سائر مكوّنات الحضارة؟
أيُّ لهاثٍ خلف اكتشافات وابتكارات، نقرأ في مجدنا القديم، أن أساسها ومبتدأها هو صنيعة أجدادنا وأهلنا وثقافتنا وحضارتنا، حتى إذا امتثلنا لهوى النفس وانصعنا لزعامة الإمارة الخدّاعة، ورضينا بالزرع وتبايعنا بالعينة، أُخذنا بالسنين، وسلّط الله علينا ذلّاً لا يرفع حتى تنتفي أسبابه وتنتهي.
على نحو بائس تمضي بنا هذي العصور المظلمة، من صفعة إلى لطمة، إلى نظرات دونية ومهينة أحيانا ومقلقة دائما لكل تاريخنا وحاضرنا، ملكنا أسباب الحضارة والقوة ولم نحسن سياستها، وكذا سنُخْلَعها، وحينذاك، ستذبل همساتنا وتذوي، وسيكون ذيل القافلة مقراً لنا ومستقرا.
ليس في هذا الكلام جلد ذات ولا شيء من جحود. إنه ليس أكثر من استنهاض همة، وإيقاظ عزيمة، وليتهيأ هذا الجيل والأجيال من بعده، لتحمّل عبء المراحل واجتياز المفازات والتأهب نحو ما يليق بنا من مجد أضعناه وتركنا مهد الأنبياء وفضاء الرسالات، فرائس للغزاة.