مبادرةُ ولي العهد "ض" ومجمعُ اللغة العربية
أ.د. خليل الرفوع
21-07-2019 03:19 PM
مبادرةُ "ض" هي إحدى مبادراتِ مؤسسةِ وليِّ العهد التي أطلقها صاحبُ السمو الملكي الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ، وتهدفُ إلى الحفاظ على مكانة اللغة العربيّة وألقِها ، والعملِ على تطوير تقنيات تمكينها رقميًّا وإثراءِ المحتوى العربي على الشبكة العنكبوتية ، وقد كان للمبادرةِ احتفاءٌ طيبٌ في قلوب محبي اللغة العربية وهم كُثُر ، كما يُفْتَرَضُ أنْ سيكون لها أثرٌ تحفيزيٌّ في المؤسسات الوطنية كي تتماهى مع أهداف المبادرة وتلتفتَ إلى هذه المكرمة التي أعادت للغة العربية هيبتَها في ظروفِ غربتها وانفضاض النخب البرجوازية عنها بعد أن تشربت بالإنجليزية تفكيرًا وخطابًا ومباهاةً ؛ فكان عقوقُهَم مضاعفًا للوطن والأمة والعربيةِ .
ومن أهداف المبادرة العملُ على إعدادِ سفراء للغة العربية يعملون على تعزيز استخدامها في مختلف ميادين المعرفة ، وإنشاء عدد من المنصّات للتواصل باللغة العربية، واستخدامها في جميع مجالات الحياة العملية والعلمية والتكنولوجية ، ويتخلل المبادرةَ تنفيذُ عددٍ من الفعاليات في مختلف محافظات المملكة ، وقد كانت المبادرةُ تعبيرا حضاريا عن رؤى استراتيجية واقعية تواكب تطور اللغة لتعزيز حضورها في سياقاتٍ تاريخيةٍ تحتاجها العربيةُ إحياءً وتمكينا وتعزيزا في أشدِّ مراحلِ حياتها عُسْرًا ورِدَّةً ، وكان لسموِّ ولي العهد تلك الرؤية التي تعبر عن حرصه على العربية هُويَّةً للأمةِ ومحرِّكا لتفاعلها الحضاري ووسيلةً مُستنفِرَةً للتفكير والتخاطب والكتابة ، كما تعبر عن استنهاضٍ حتميٍّ لمؤسسات الدولة ؛ لأنَّ العربية جزء من مقاصدِ الدولة الأردنية منذ بداياتها ، وقد كانَ استبعادُها عن ألسنة أهلها أحدَ أسباب الثورة العربية الكبرى التي أخذت شرعيتها الدينية والتاريخية والنهضوية من أبناء الأمة الذين آمنوا بلغتهم حاضنةً لدينهم وقوميتهم وتاريخهم وأحلامهم .
وقد نهض مجمع اللغة العربية الأردني بلفتةٍ استراتيجية من رئيسهِ سادِنِ العربيةِ لتمكين هذه المبادرة الكريمة من حضورها واقعًا في خطط المجمعِ وبرامجه ؛ فعقدَ اتفاقيةً مع مؤسسة ولي العهد للتعاون حول تنفيذ المبادرة ينفّذُ من خلالها مشروعات أهمها : إنشاء مركز حوسبة للغة العربيّة ، ومركز تعليم اللغة العربيّة للناطقين بغيرها، ومركز للخط العربي، إضافة إلى تطوير وحدة قياس امتحان الكفاية، وإنشاء نادي التحرير اللغوي، ورعاية عدد من الفرق التطوعية ، وهذه مشروعات كبرى نحسب أن المجمعَ بما أُوْتي من حضور تاريخي وفعلٍ منجزٍ على الصعيدينِ الوطني والقومي قادرٌ على تحقيق ما تضمنته الاتفاقية ، فقد كُرِّمَ المجمعُ على المستوى الوطني بحصولهِ على وسام الاستقلال من الدرجة الأولى لإنجازاته في الحفاظ على اللغة العربية ، وكُرِّمَ قوميًّا بحصولهِ في احتفال مهيب على جائزة الملك فيصل الدولية وهي جائزة عالمية ، وقد قَطَفَ جائزة محمد بن راشد للغة العربية في محور السياسة اللغوية والتخطيط والتعريب عن فئة أفضل مبادرة في السياسة اللغوية والتخطيط المتمثلة في قانون حماية اللغة العربية ،وقد فازت إذاعة مجمع اللغة العربية الأردني بالجائزة الذهبية لأفضل عمل درامي إذاعي في مونديال القاهرة للأعمال الفنية والإعلام في دورته السابعة المنعقدة في الفترة من ٦ _ ٩/ ١١ / ٢٠١٨ عن برنامج “لغتنا العربية.
أن المجمع بما حققه من منجزات لغوية عديدة وبما يستشرفه من استراتيجيات ليستطيع أن يحقق رؤية ولي العهد بجعل اللغة العربية حاضرةً في كل مشاهد الدولة ، والمطلوب أن تنشطَ أذرع الدولة ومؤسساتها الحكوميةُ والأهلية للاستفادة من تجارب المجمع الناجحة في الحفاظ على العربية ورفده بما تملك من برامج وتقنيات ، فالمبادرة هي مبادرة للوطن والأمة ، والأمل معقود على كلِّ ذي هِمَّةٍ كي يبادرَ بصدقٍ لتكونَ العربيةُ هي لغة الخطابِ على منصات التواصل الاجتماعي والإعلامي وفي مدارسنا وجامعاتنا ومراكزنا العلمية وإعلانات الصحف والمحالِّ التجارية ، وفي أروقةِ السياسيين ، وغرف المنتدين ، وقاعات المؤتمرات ، والعولمة الرقمية ، ففلسفة المبادرة في جعلِ العربيةِ لغةً مقدسةً هي مقاربةٌ حكيمةٌ لأهميتها في بناء العقل والوجدان معًا بتكامل معرفي يستند إلى موروث حضاري متواصل غير مُنْبَتٍّ ، كانت العربيةُ لسانَه ووعاءَه وجوهَرَه ، فقد آنَ للعربية أن تكونَ بَهِيَّةً بسحرِها وبيانِها وأبنائِها وبناتِها.