الحب لا يحتاج إلى مقدّمات، والعروبة لا تحتاج إلى تبرير.. ركلة واحدة نحو الهدف، في دقيقة واحدة من عمر الأمة المهدور.. زرعت ثلاثمئة لحظة فرح في قلوب العرب الممتدّين بأوجاعهم وهمومهم كشجر الصبار فوق الخريطة الصفراء.. نفس الهتاف الوهراني الذي كان ينطلق من مقاه في زقاق الأحياء هناك اختلط بالهتاف العمّاني الذي اشتعل في وسط البلد هنا، نفس الهتاف الدمشقي والخليلي والخليجي.. نحن نهتف للإنتصار العربي حتى لو لم يرتدِ قائد هذا الانتصار البزّة العسكرية والخوذة.. المهم أن نلمح وجه أي انتصار بعد أن حصدنا الهزائم في كل ال?عد.. المهم أن ننفض الرماد قليلاً عن قلوبنا التي أحرقتها السياسة واحتلها عجزة الأنظمة ووكلاء الاستعمار.. نريد أن نزرع أي «فسيلة» بهجة في قوارة القلب المتصحّر..
سألت نفسي لماذا نفرح للجزائر؟ وهل سيعرفون أن أولادنا قفزوا من أماكنهم لحظة الهدف؟ وأن التصفيق والتصفير خرج باقات باقات من شبابيك البيوت في كل مدن وزواريب الوطن العربي؟ ما الرابط الذي يجمع بين ابن «سطيف» بابن الرمثا، ما القاسم المشترك بين ابن عنابة وابن الطفيلة.. إنها العروبة السمراء التي سرت في عروقنا على هودج العمر منذ آلاف السنين.. انها السحر الخفي الذي يجعلنا نعانق «البشرة» والتقاسيم من غير أن نلتقي.. انه الشوق الذي قتلته الحدود، وقتله بدم بارد وكلاء التقسيم والتقزيم والتأزيم.. انه الوعد البعيد الذي ننت?ره كما ننتظر أقدارنا..
لماذا نفرح للجزائر؟ رغم أنها مجرد مباراة عادية تجري في بطولة مثل مئات البطولات، الانتصار فيها لن يعيد أرضاَ مسلوبة ولن يؤسس لديمقراطية حقيقية ولن يثأر لنا من كل الذين سرقونا واستعبدونا وجعلونا في ذيل الأمم الحية... نفرح للجزائر لأننا أمة عطشى للانتصار، كتب التاريخ تطفح بالهزائم، نشرات الأخبار تفور بالدم العربي والظلم العربي والذل العربي، صفحات الجرائد تزوّر الحقائق وتختصر الوطن بمقاس بنطال الزعيم ولون ربطة عنقه.. لماذا نفرح للجزائر لأن مباراة كرة القدم تشهد تكافؤاً نادراً، احد عشر لاعباً يقابلهم مثلهم.. لا?حجّة بتفوّق الخصم الجوّي، ولا بالقدرة الصاروخية، ولا المديونية العالية، ولا بالقدرة النووية ولا قلة الموارد، ولا بالأجندات الخارجية، في هذه المواجهة تحديداً.. لا تتدخل دول عظمى، ولا يتدحرج برميل النفط بينهم.. ففي مباريات كرة القدم لا أحد ينظّر الكل يعمل في موقعه في مباريات كرة القدم هناك حكم عادل.. لذا يظل الانتصار ممكناً..
لماذا نفرح للجزائر..لأن انتصار الكرة قد يدرّب النفس على انتصارات أخرى.. فالسياسة ملعب هي الأخرى !!...
من يعش في قبو مظلم.. يفرح لو رأى صورة الشمس على دفتر رسم!.
فوز الجزائر.. شمس على دفتر رسم!
ahmedalzoubi@hotmail.com
الرأي