صبر أيوب .. يا صبر كل المزارعين
د. عبدالحليم دوجان
20-07-2019 02:53 PM
ولا أجمل من ندى كلمات الشاعر الكبير حيدر محمود في قصيدة أهداب حبيبي، عندما قال: " وأبي حصاد من جلعاد يصحو والشمس على ميعاد، ويغني المنجل بين يديه ويعطي آلاف الأعياد،،، وأبي فلاح من إربد للأرض المعطاءة ينشد، ويحب الأرض وأمي والأولاد ويحب عيون الحرية" ، في قلب الشاعر المعنى وفي قلوبنا نحن أبناء الحصادين أيضاً معنى.
هكذا حكاياتنا كانت مع الأرض والشمس والزراعة والحرية، كنا جميعاً أسراً ريفية صغيرة، تعمل بالتعاضد لقليل من الاكتفاء، ليكفي فقط لفصل أو فصلين من السنة، فلا نية للادخار من الزراعة، ولا استثمار فيها، إنما السعي كل السعي لأجل تأمين قوت يوم أو بعض أيام.
ولكن عذراً حيدر محمود، لم تكن أنت السبب، فلم يعد أبي حصاداً يصحو على ميعاد مع الشمس ولا يطرب لغناء المنجل، ولا يؤمن ويأمن الحقل، ولا يسعى لموعد مع الشمس.
كان عالماً جميلاً وبسيطاً، لا ديون ولا فواتير فيه ولا سجون، ولا أزمات قلبية، الكل يعمل ويكد و يتعاون مع إخوته وجيرانه، وما يتوفر في نهاية موسم الحصاد، فقط جهد أبي وأمي وما يقدمه الآخرون من همة وفزعة، فزراعتنا كانت عضوية في كل شيء.
أين نحن اليوم من ذلك العالم الجميل، فلقد تحولت الزراعة البسيطة بمفهومها وأساليبها من مفهوم الحرفة الأسرية القائمة على الفلاح وأسرته إلى مفهوم الاستثمار، وخصوصاً في المناطق ذات الميزة النسبية المعروفة كوادي الأردن وغور الصافي والمفرق وغيرها من المناطق، فغدت الزراعة نموذجاً للأعمال، فاختلط فيها الحابل بالنابل، وتنوعت أهدافها، واكتست أعمالها بأشكال جمة من المخاطر؛ كمخاطر كفاءة رأس المال والتسويق والمخاطر السياسية والطبيعية عدا الأزمات اليومية وغيرها، لتوازي بذلك تلك المخاطر في القطاعات الأخرى، إن لم تكن أعمق منها.
فالمزارع الحديث والذي طور نفسه بنفسه إلا القليل من هنا وهناك، وبقلب مغامر، متحمل وحامل لجميع المخاطر، متفاءل بانياً افتراضاته على مستقبل زراعي زاهر، فكانت البداية ما قبل الإعصار المالي في عام 2008 ، فبدأ بالزراعات التصديرية، واعتمد على التنويع لمواجهة تلك المخاطر، وبادر واكتشف الأسواق الجديدة في أوروبا وغيرها، فذاق في بداية مشواره شيئاً من الربح، ثم تفاجأ بأنه دخل في نفق مظلم امتد من بدايات الأزمات والاضطرابات في المنطقة حتى يومنا هذا.
هنا اشتبك المزارع في البداية مع افتراضاته، ورفض أن يصدق أن هذه الأزمات ستتعمق وتستمر، كما هو حال الطيبين يبحثون دائماً عن أعذار ومبررات للتفاؤل، فالزراعة بالنسبة لهم نهج وأسلوب للعيش، ولا يوجد ملاذ آخر لديهم، وديونهم الكبيرة كالمخرز تحت الحمولة، فلم يتوقفوا عن الزراعة، وفي الوقت نفسه لم تتدخل الدولة باعتبارها الأخ الأكبر في التوجيه الحقيقي والمساعدة في التحول أو وقف النزيف في حينه، فضلاً عن تفاؤل القطاع الخاص أيضاً في مستقبل الزراعة، الأمر الذي ساهم في تقديم تسهيلات عريضة للمزارع من خلال البيع الآجل، لكنه قد تحوط لجميع المخاطر وعلى رأسها مخاطر عدم السداد، فأصبحت الكلف الرأسمالية كبيرة والتشغيلية أكبر، فتعمقت الأزمة ولم يعد ينفع شد الأحزمة .
هذا باختصار حال المنتج الأول المزارع الأردني اليوم، أعانه الله على حمله الثقيل، فهو يذكرنا بما نشده الشاعر الكبير عبدالرزاق عبدالواحد(رحمه الله) في قصيدته صبر أيوب فيقول: "من مأثور حكاياتنا الشعبية، أن مخرزا نسي تحت الحمولة على ظهر جمل"
قالوا وظل.. ولم تشعر به الإبل
يمشي، وحاديه يحدو.. وهو يحتمل..
ومخرز الموت في جنبيه ينشتل
حتى أناخ بباب الدار إذ وصلوا
وعندما أبصروا فيض الدما جفلوا…
Ddojan5@gmail.com