الورقة الفلسطينية في حسابات الوزير
ماهر ابو طير
20-07-2019 01:30 AM
ليس من مصلحة لبنان، ان يتم توظيف الوجود الفلسطيني، في أية أزمات جديدة، خصوصا، ان لبنان قد يكون بوابة التفجير، في سياقات إقليمية، تتعلق بالموقف من إيران حصراً، وسعي أطراف كثيرة، لقطع أطراف طهران.
في قصة الازمة التي شهدها لبنان قبل أيام، بخصوص العمالة الفلسطينية، والحملة التي اطلقها وزير العمل اللبناني، المنتمي إلى القوات اللبنانية، أي جماعة سمير جعجع، ظلال سياسية خطيرة، إذ ان التصعيد الذي شهده لبنان، واحتجاجات المخيمات على منعهم من العمل في عشرات المهن التي من غير المسموح للفلسطينيين العمل بها، أساسا، ودخول أطراف لبنانية على القصة، تصعيد خطير، ويكشف أن هناك نقاط ضعف، قابلة للتوظيف في أي توقيت، وكأن مظالم الفلسطينيين هي بوابة العبور نحو الأزمة الأكبر، في تخطيط جهات عديدة لديها اجندات إقليمية، تريد استعمال الورقة الفلسطينية فقط.
لبنان أحد أبرز الدول المرشحة لنقل الأزمة مع إيران اليها، لاعتبارات كثيرة، ابرزها وجود حزب الله، وقوته العسكرية، والنظرة إلى لبنان في التقييمات الاستراتيجية، بتوصيفه مجرد بلد آخر تحت المظلة الإيرانية، وامتداد تأثيرات لبنان في هذه الحالة إلى الساحة السورية، بما يعنيه ذلك من تداخل بين كل الدول والجبهات، وفي التحليلات فان لبنان قد يكون أحد المحطات الجاهزة بسبب تعقيداته الداخلية لإعادة خلط الأوراق، من اجل اشعال حرب داخلية.
المؤسف هنا، ان لبنان، مثل أغلب الدول العربية، فيه شبكات لدول وأجهزة أخرى، وهناك قوى لبنانية محلية قابلة لتنفيذ أدوار كثيرة، لغايات إقليمية ودولية، عبر توتير الداخل، أو افتعال حادثة كبرى، أو عبر أي سيناريو يتم رسمه، من اجل الزج بكل لبنان، في حرب كبرى، تحرق الأخضر واليابس، ويدفع الجميع ثمنها.
هذا يعني أن أي تصرف أو قرار يجب أن يكون مدروسا بدقة، وإذا كان من حق لبنان تنظيم العمالة، ومنح الفرص أولا للبنانيين، في ظل الوجود الفلسطيني والسوري، إلا أن هذا التوجه، لن يصمد فهو مجرد شعار وسط كومة شعارات وحسب، خصوصا، إذا اخذنا في الحسبان أن لبنان يعد بلدا مفتوحا لجهات وأجهزة عديدة، قادرة على توظيف أي قرار من أجل جر لبنان إلى أزمة أكبر، ووفقا لمخطط كامل، ومعقد على كل المستويات.
كان ممكنا، خلال الأيام الماضية، وبكل سهولة تدبير حادث أمني كبير في لبنان، أو جر الفلسطينيين إلى مواجهة مع الجيش اللبناني، أو جر اللبنانيين إلى مواجهة مسلحة مع الفلسطينيين تؤدي الى ما هو أوسع، أي جر كل لبنان إلى حريق أكبر، وهذا جانب يوجب على الفلسطينيين، أيضا، فتح أعينهم جيدا، تحوطا من صيدهم في مستنقع الإقليم.
تتعجب من قرار وزير العمل، وإذا ما كان سطحيا وحسب، ام غير مدروس، أو انه بروفة لما هو أكبر، أو حتى محاولة لاختبار ردود الفعل، وإذا كان وزير العمل اللبناني ذاته يرفض هذه التفسيرات، ويريد حصر التوجه بالجانب الفني، إلا انه يتناسى الحساسيات القائمة في لبنان، وقابليتها للاشتعال، ومصلحة أطراف كثيرة، في هذا الاشتعال.
لا أحد ينكر هنا، ان إزاحة ديموغرافية حدثت في لبنان، وعلى حساب تركيبة لبنان الاساسية، إذ أن اغلب اللبنانيين باتوا خارج لبنان، وبات لبنان ذاته تجمعا كبيرا للفلسطينيين والسوريين وجنسيات أخرى، لكن الاستعصاء في صعوبة استرداد لبنان مثلما يريد اللبنانيون، يرتبط فعليا بتعقيدات الوضع الداخلي والخارجي، فوق الخروقات في البنية اللبنانية التي تسمح بتوظيف أي قرار أو توجه أو تصرف وتحويله إلى مجرد شعلة نار تفجر لبنان، من اجل تصفية حسابات إقليمية، وكأن قدر لبنان دوما، ان يدفع فواتير غيره، لا فواتيره المباشرة والتي تخصه وحده.
ربما ننصح اللبنانيين ان يتريثوا قليلا في فتح الملفات الحساسة، فهذا توقيت لا يحتمل فيه هذا البلد، ولا أمن الإقليم أيضا، أي مقامرة بلبنان، حتى لو كان عنوانها المعلن، تطبيق القانون بحذافيره على الجميع، فيما العنوان المخفي يعلمه الله فقط، فيما الشعب الفلسطيني في لبنان، لا يحتمل كارثة جديدة، بعد الذي رآه خلال العقود الفائتة، وعليه أن يتحلى بالبصر والبصيرة، معا، لاستبصار المشهد بكل تعقيداته.
الغد